الإعلام في مراحل الانتقال السياسي: الحالة التونسية نموذجًا
تأليف: مجموعة من الباحثين.
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات-مركز العلاقات الدولية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا-الدار العربية للعلوم ناشرون.
في مشروع بحثي إعلامي مشترك بين مركز الجزيرة للدراسات وجامعة كامبريدج حول العلاقة بين النظام الإعلامي والنظام السياسي والتأثيرات المتبادلة بينهما في تونس بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011، يتناول مجموعة من الباحثين التحدي الأكبر، الذي واجه النخبة السياسية والإعلامية التونسية، ممثَّلًا في فكِّ الارتباط بين النظامين المذكورين في مرحلة ما بعد الثورة، وحدود الدور الذي يمكن أن يلعبه الإعلام في المراحل الانتقالية، ووظيفته في المجتمع؛ فضلًا عن الأطر التنظيمية والقانونية التي تحكمه. وقد تُوِّج هذا الجهد العلمي بإصدار كتاب يضم سلسلة من الأوراق البحثية بعنوان “الإعلام في مراحل الانتقال السياسي: الحالة التونسية نموذجًا”، ويمثِّل المرحلة الأولى من المشروع البحثي المشترك بين المؤسستين، والتي امتدت من أغسطس/آب 2013 حتى أغسطس/آب 2014.
ويهدف هذا الكتاب، الذي صدر عن مركز الجزيرة للدراسات في أغسطس/آب 2015، إلى الإجابة عن أسئلة أساسية تتفرع عن الإشكالية المطروحة أعلاه: ماذا يريد التونسيون من إعلامهم؟ كيف يحكمون على نوعيته؟ كيف ينظرون في الواقع إلى مهنة الصحافة؟ هل يرويدون فعلًا إعلامًا “حرًّا” مع كل الفضائح والشتائم التي ترافق الصحافة الأقل خضوعًا للقيود؟ وبدرجة الأهمية نفسها: ما الدور الذي سلعبه الإعلام سياسيًّا؟ هل سيكون أداة تابعة للحكومة، أم انعكاسًا للأعراف الدينية والاجتماعية، أم نتاجًا تجاريًّا للترفيه من برامج حوارية ومسلسلات رمضانية تليفزيونية، أم منصَّة للأصوات المهمشة سابقًا، أم مجموعة أدوات من أجل الأحزاب السياسية؟
ويُستهل الكتاب بورقة للبروفيسور جورج جوفي، “العلاقة بين الحكومة والإعلام في تونس: هل تعكس تحولًا نموذجيًّا في ثقافة الحكم؟”، يبحث فيها التوترات الضمنية في العلاقة بين الحكومة ووسائل الإعلام؛ وذلك من خلال النظر في تجارب تونس وهي تنتقل من نظام سياسي استبدادي حَكَم قبل أحداث أوائل عام 2011 باتجاه إمكانية وجود نظام سياسي ديمقراطي. ويلاحظ الباحث أن المشكلة في تونس تتمثل في طبيعة الثقافة السياسية التي أنشأتها الأنظمة الاستبداية؛ إذ لا تزال تحكم تونس منذ الاستقلال، وقد أثبتت أنها تكون أكثر ترسُّخًا في الخطاب الحكومي، وتقوم بتوجيه العملية الانتقالية للبلاد.
وتعالج ورقة الباحثيْن أليكس أرتود دلافيريير ونارسيو فالينا-رودريجيز، بعنوان “المقصُّ والعدسة المكبرة: حَوْكَمَة الإنترنت في السياق الانتقالي في تونس”، الأنظمة البنيوية (القانونية والمؤسساتية والهيكلية) الداعمة لحوكمة الإنترنت في إطار التحول السياسي الذي تشهده البلاد. وتبحث في النصوص القانونية التي كانت موجودة في عهد النظام السابق، الذي كان يحدُّ من الحريات على شبكة الإنترنت، جنبًا إلى جنب مع النصوص الحديثة. ومن الناحية المؤسساتية تدرس الدور المتطور لأجهزة الدولة والطبيعة الخاصة للشراكات بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال، وتناقش التزامات مزودي خدمة الإنترنت تجاه الدولة من أجل الاحتفاظ بتراخيص الشغل الخاصة بهم. كما تبحث الورقة في هيكلية الشبكة، وهي البنية الأساسية التي تسمح للإنترنت بالعمل وتقديم الخدمة من حيث الدعم المادي والتنظيم الوظيفي والإعداد والمبادئ والإجراءات.
أمَّا ورقة الدكتورة روكسان فارمان-فارماين، والـمُعَنْوَنَة بـ”القطاع الخاص والقطاع العام ومن يمارس السلطة الإعلامية في تونس؟”، فتستكشف -من خلال الدراسة الميدانية- التغيرات التي يعيشها هذا القطاع، وكيف يعمل على الصعيد المهني، وكيف يبنيه أصحاب المصلحة وصنَّاع القرار كقطاع. كما تطرح هذه الدراسة عددًا من الأسئلة المهمة، بما فيها: كيف يُعرَّف مصطلح “العام” الآن؟ كيف يغيِّر القطاع ممارساته المهنية في مواجهة مناخ عام متحرر؟ وكيف يستجيب أصحاب وسائل الإعلام لتحولات السوق وللوجوه الجديدة في الحكومة؟ سعيًا لفهم التغيرات في السلطة الرابعة في تونس على مدى السنوات الثلاث منذ الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي.
وتتناول الباحثة سمر سمير المزغني في ورقة بعنوان “تعزيز المواطنة من خلال المجتمع المدني والشراكات الإعلامية: حالة الإذاعات المحلية”، علاقة الشراكة بين الإعلام والمجتمع المدني؛ حيث فتحت البيئة السياسية والمدنية والاجتماعية الجديدة التي شكَّلتها ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 لتونس مساحات للتعبير عن الأفكار ونشرها مع رقابة حكومية أقل من ذي قبل. واعتبرت الورقة أن الإعلام والمجتمع المدني من القطاعات التي واجهت القمع والسيطرة المركزية على مدى عقود. ولكن منذ عام 2011، شهدت هذه القطاعات تطورًا ملحوظًا؛ الأمر الذي سمح لها ببناء الشراكات ومشاركة الأدوات خاصة مع وسائل شعبية مثل الإذاعات المحلية وصحافة المواطن والمدونات. ومما يعزز تبادل هذه الأدوات والأفكار بين وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني برامج بناء القدرات المشتركة حيث تتضافر جهود المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني لتسليط الضوء على دمج الجهود وتعزيز مفاهيم المواطنة.
وأبرزت الباحثة زوي بتكاناس، في دراسة بعنوان “هوية التفاوض: النوع الاجتماعي والبرامج الحوارية التونسية”، عملية التحول الديمقراطي التي خضع لها الإعلام بالتوازي مع التغييرات الجذرية في الهياكل السياسية ليعكس التنوع الجديد الواضح في الهويات ووجهات النظر العامة؛ فبهذه الطريقة يُشارك الإعلام التليفزيوني في دورة وجدانية متبادلة مع هذه الاتجاهات، يعمل فيها كمنصة للهويات السياسية التعددية وقوة منتجة لها، ومع ذلك لم يعمل التليفزيون -خاصة البرامج الحوارية- كمنصَّات لتقديم الهويات التعددية فحسب؛ ولكنه ظهر -أيضًا- كمكان تنشأ فيه النزاعات والتوترات والنقاشات حول تعريف المرأة التونسية، وإعادة التفاوض بشأن هذا التعريف، ويُؤثِّر ذلك بدوره على الوسيلة الإعلامية نفسها، ويُحدث تفاعلات بداخلها؛ لأن عرض مثل هذا الموضوع النزاعي الحرج يُمثِّل تحديًا لقدراتها.
أمَّا ورقة كايلا برانسون “نشاط الجماعات الإسلامية عبر الإنترنت: جدلية الرسالة وإعادة تحديد الجمهور”، فتدرس كيفية استعمال الإسلاميين وسائل الإعلام الاجتماعي لإعادة تعريف المجال العام، ودحض السرد السائد المتمثل في “الإسلامي الآخر” الذي تتناوله وسائل الإعلام السائدة. وتستهل الورقة بمناقشة أهمية الإنترنت كفضاء بديل للإسلاميين بشكل عام وللسلفيين بشكل خاص بغية التصدي لاستبعادهم من فضاء وسائل الإعلام السائدة. وتعتمد على الإطار النظري لـ”هنري ليفيبفر” لتثبت أن الخلاف السياسي يبزغ عندما يكون هناك تناقضات بين الفضاءين: المادي والخطابي. ويبدو التناقض أكثر وضوحًا بين الحشد الجماهيري المتزايد والتواجد الضئيل في وسائل الإعلام عندما يتعلق الأمر بالسلفيين في تونس على وجه الخصوص.
وقد خضعت هذه الأوراق لمراجعة نقدية خلال الندوة العلمية التي نظَّمها مركز الجزيرة للدراسات بالشراكة مع جامعة كامبريدج يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 2014 في الدوحة، وركَّزت هذه المراجعات والمداخلات التعقيبية، التي قدَّمها أساتذة وباحثون في مجال الإعلام والاتصال، على فحص المداخل النظرية والإطار المنهجي للأوراق البحثية وتقييم محتوى وعناصر التحليل وحدود اتساق نتائجه وارتباطها بهذه المداخل.