في خريف عام ١٨٦٣، وفي مدينة لندن بالمملكة المتحدة، توصل١٢ ناديا إنجليزيا الى اتفاق شكل بداية ظهور لعبة كرة القدم بشكلها الحديث كما نعرفها اليوم. ومنذ ذلك الحين تطورت قواعد هذه الرياضة تدريجيًا حتى وصلت اليوم إلى حد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي أسهمت في احداث تغييرات وتحولات كبرى في قواعد وتفاصيل اللعبة.
ان معالجة كمية كبيرة وضخمة من البيانات وبسرعة ودقة، هي بالتحديد ما يميز الذكاء الاصطناعي. وفي مجال كرة القدم تستطيع هذه التقنيات وعلى سبيل المثال تحليل البيانات المتعلقة بالفرق والمباريات وتقييم إمكانات اللاعبين وأدائهم بشكل دقيق، الأمر الذي يساعد أصحاب المصلحة على سرعة ودقة اتخاذ القرارات اعتماداً على المعطيات بدلاً من الاعتماد على التحليلات اليدوية التي تظل عرضة للخطأ.
في أكتوبر ٢٠٢٢، وداخل مقر الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في زيورخ، قدّم الدكتور أنتوني تشوبا الباحث الزائر لمرحلة ما بعد الدكتوراة في مجال الرؤية الحاسوبية والذكاء الاصطناعي بجامعتي الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) وجامعة لييج في بلجيكا، عرضاً تقديمياً حول مشروع الذكاء الاصطناعي سريع التطور الذي يحمل اسم: سوكرنت (SoccerNet).
Table of Contents
بداية المشروع
جاء هذا العرض التقديمي تتويجاً لخمس سنوات، من عمل تشوبا الذي انضم جامعة الملك عبد الله للعلوم عام ٢٠١٧، رفقة زملائه من مشجعي كرة القدم، لا سيَّما الدكتور سيلفيو جيانكولا، المبتكر الأصلي لمشروع “سوكرنت”، وعضو المجموعة البحثية بقيادة البروفيسور برنارد غانم، أستاذ الهندسة الكهربائية والحاسوبية بالجامعة
ومن نواة فكرة في عام ٢٠١٨، أنشأ الثنائي منصّة مفتوحة فريدة للتحليل الرياضي، القائم على الذكاء الاصطناعي، بدعم من مجتمع عالمي، يضم أكثر من ٥٠٠ باحث، يشاركون في المسابقات والتحديات السنوية المتخصصة في هذا المجال. يقول تشوبا: “التقيت سيلفيو في مؤتمر للحوسبة المرئية عام ٢٠١٨؛ حيث كان لدى كل منا ورقة بحثية. كانت ورقتي حول نظام ذكاء اصطناعي يمكنه التعرف على المراحل المختلفة في لعبة كرة القدم. أما ورقة سيلفيو فلقد استعرضت الإصدار الأول من منصّة “سوكرنت”، والتي اعتقدت على الفور أنها فكرة رائعة، وهكذا جاء اللقاء الذي ناقشنا فيه فكرة المنصّة”.
وبحسب البروفيسور غانم فان مختبره في جامعة الملك عبد الله للعلوم يركز على العديد من الموضوعات البحثية في مجالات الحوسبة المرئية والتعلم الآلي. كما يعد غانم مهتما بشكل خاص بأساليب الجيل التالي من الذكاء الاصطناعي لتحليل مقاطع الفيديو الطويلة.
ما الذي تنفرد به المنصّة؟
بشكل عام، تعمل منصّة “سوكرنت” كمورد قيم لمجتمع البحث العلمي والحوسبة المرئية والتعلم الآلي والتحليلات الرياضية، اذ توفر إطارًا تقييميًا موحدًا وقاعدة معيارية تغطي مجموعة واسعة من تطبيقات تحليل الاداء، مثل الأهداف والركلات الركنية والأخطاء والعقوبات والبطاقات الحمراء والمزيد. هذا الامر يساعد على تطوير أحدث التقنيات في مجال رصد واستكشاف مقاطع الفيديو، مما يسهل تطوير خوارزميات أكثر دقة وفعالية لفهم وتحليل مباريات كرة القدم. كما انها ليست فقط مجموعة بيانات، وانما أيضًا مسابقات وتحديات سنوية في هذا المجال حيث تتنافس فيها أفضل الفرق على المستوى الدولي.
وتتفرد “سوكرنت”، باستخدامها مجموعة بيانات مرجعية كبيرة جداً من تسجيلات مباريات كرة القدم – ٥٠٠ مباراة و٨٥٠ ساعة من الفيديو – مما يوفر منصّة رائعة للبحث. وقبل ظهور هذا المشروع، كانت استخدامات أبحاث الذكاء الاصطناعي في المجال الرياضي تستند بشكل كبير على مجموعات بيانات داخلية صغيرة، الامر الذي يصعب من مقارنة تحليل الأداء بين أساليب الذكاء الاصطناعي المختلفة. ولتحقيق أكبر استفادة الذكاء الاصطناعي من مقاطع الفيديو، يجب تسميتها من قبل البشر؛ للتعليق على الأحداث وتحليل الاداء، والتي تُستخدم بعد ذلك لتدريب الذكاء الاصطناعي.
يقول تشوبا إنّ كتابة التعليقات التوضيحية تتطلب الكثير الوقت والمال، ويضيف: “كان علينا العثور على تمويل من مصادر مختلفة، وإنشاء تنسيق وأداة موحدة للتعليقات التوضيحية، التي من شأنها السماح للمعلقين والمستخدمين بالعمل بكفاءة واتساق.”
في عام ٢٠١٨، وضع جيانكولا تعليقات توضيحية على مقاطع الفيديو الداخلية للإصدار الأول من المنصّة، فضلاً عن وضع علامة على ٦٠٠٠ حدث كروي أساسي.
بعد ذلك، ومع انضمام تشوبا، جنّد الثنائي فرق من مئات الطلاب والمتعاونين؛ لتسجيل ٥.٥ مليون تعليق توضيحي، تتضمن ١٧ فئة من تحليل الأداء والحركة، ومقاطع من لقطات الكاميرا، وعمليات البث والإعادة. حتى أنهم أضافوا تعليقات توضيحية للاعبين وتتبع الكرة، وهي مهمة استغرقت عدة أشهر في الحملات، على مدار عدد من السنوات وما زالت جارية حتى الان.
يقول جيانكولا: “تعاوننا مع خبراء في التعليقات التوضيحية؛ لتحديد تنسيق التعليقات التوضيحية والإرشادات، ومن ثم طوّرنا أداة تعليقات توضيحية مخصصة سهلة الاستخدام وفعالة”.
ويتابع: “بعد ذلك، جاء دور فريقنا المذهل من المتعاونين المتحمسين والمنطلقين، حيث ساعدونا في إضافة تعليقات توضيحية إلى الآلاف من إدخالات البيانات الوصفية لكل لعبة.”
كأس العالم للذكاء الاصطناعي
منذ عام ٢٠٢١، نظم كل من جيانكولا وتشوبا تحديات عالمية سنوية لمنصّة “سوكرنت“، حيث قدمت نتائج تحدي ٢٠٢٢ في ورشة العمل الدولية الخامسة من المسابقة الدولية للبرمجة لطلبة الجامعات (ACM)، حول تحليل محتوى الوسائط المتعددة في الرياضة.
يقول تشوبا إنّ المنصة تُعدّ الآن أكبر مجموعة بيانات مفتوحة المصدر وأكثرها شمولاً لتحليل مقاطع الفيديو في مجال الرياضة، ويضيف: “ننظم أيضاً تحديات سنوية مفتوحة للباحثين من جميع أنحاء العالم والذين يتطلعون إلى تطوير تقنيات حوسبة مرئية جديدة وتطبيقات واسعة للرياضة. ويرى هذه التحديات تخلق ديناميكية كبيرة في مجموعة البيانات المتوافرة لديهم، وتدعم استخدامها من قبل مجتمع البحث العلمي وصناعة الرياضة.
يشارك الآن نحو ١٩ باحثاً ومجموعة صناعية في تنظيم مشاريع “سوكرنت”، في حين يعد تشوبا وجيانكولا المنظمين الرئيسيين لأبحاث المنصّة، والتحديات والمسابقات المفتوحة سنوياً.
المصدر: كاوست