باحثة عراقية تبتكر جلدًا نباتيًا وزجاجًا من حراشف الأسماك
توصلت الباحثة العراقية صفا لطفي إلى ابتكار جلدٍ نباتيٍ من مواد مستخرجة من التمور مقاوم للماء وزجاج عضوي باستخدام حراشف الأسماك يتميز بانخفاض الكلفة وبكونه صديقاً للبيئة.
وقد حصلت الباحثة على براءة الاختراع الأولى في العام 2017 وعلى البراءة الثانية في شهر مارس 2018، من الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية بوزارة التخطيط العراقية.
قد لا يبدو مألوفا في العالم العربي اليوم أن يشتغل العالِم بالفن أو الفنان بالعلم والابتكار رغم أن تاريخ الحضارة العربية الإسلامية لا يخلو من ذلك. وتمثل الفنانة والباحثة العراقية الدكتورة صفا لطفي أحد النوابغ النادرة في المشهد العلمي والفني حاليٍا بجمعها بين هذين المجالين والتميز فيهما.
فمن ناحية هي فنانة تشكيلية حاصلة على الدكتوراه في الفنون التشكيلية اختصاص جماليات التصميم في الفن والعمارة الإسلامية. وهي من ناحية أخرى باحثة ومبتكرة حاصلة على العديد من براءات الاختراع من بينها صنع جلد نباتي مقاوم للماء من مكونات التمور واستخدام حراشف السمك في صنع الزجاج العضوي.
وحول إنتاج خامة الجلد النباتي الاقتصادية والمقاومة للماء تقول الباحثة العراقية إن الفكرة اختمرت في ذهنها من خلال تصنيع الخل المنتج من التمور في البيوت العراقية، وهي مادة غذائية متوفرة على نطاق واسع في بلاد الرافدين.
وقامت الباحثة بتحفيز مادة السليلوز الموجودة التي تشكل بين 40 و50% من مجموع ثمرة التمر من خلال تخميرها تحت الظروف اللاهوائية مستفيدة من خاصية تتميز بها الكاربوهيدرات الغذائية والبروتينات الموجودة في التمر (للحصول على السليلوز المطاطي) وذلك كونها تعد من ركائز التخمير الميكروبي وهي ميزة حاسمة لقدرتها على استخراج كفاءة الطاقة من السليلوز وغيرها من مكونات جدران الخلايا النباتية. ونتيجة لذلك، يتم استقلاب السكريات في الغالب إلى الأحماض الدهنية المتطايرة.
واعتمدت الدراسة الحالية على التخمير من خلال علاقة تكافلية بين البكتيريا (أم الخل) والخميرة (الخميرة الغشائية)، والتي تشكل الحصيرة المعروفة باسم “الأم”. وقد تحتوي على واحد أو أكثر من الخمائر، مثل السكيراء، وغيرها. ويتألف المكون البكتيري من العديد من الأنواع، منها الأنواع التي تتخمر والتي تنتجها الخمائر إلى الخليك والأحماض الأخرى.
وألياف السليلوز هي جزء لا يتجزأ في مصفوفة البوليمرات (مجمعات الكربوهيدرات) ويعد السليلوز نفسه هو البوليمر والمتكون من جزيئات من الجلوكوز.
وعن مميزات الجلد النباتي المبتكر، تقول الباحثة صفا لطفي إن طريقة تصنيع هذا الجلد النباتي آمنة على المستوى الصحي والبيئي على عكس خامة الجلد الصناعي التي تدخل فيها مواد كيميائية (على درجة عالية من السُّمية) والتي قد تسبب ضررا ملحوظا للإنسان. كما أن الخامة المحضرة ومن خلال الفحوصات المختبرية أثبتت عدم تأثرها بالرطوبة ودرجة الحرارة.
وقد تم تصنيعها، وفق أسس مدروسة (مثل الأشعة فوق البنفسجية ـ الشد السطحي ـ النفوذية ـ درجة الحرارة ـ الترطيب ـ الامتصاصية ـ الكثافة)، مع مراعاة الظروف الجوية العراقية.
وتستعمل المادة المحضَرة في مجالات عدة إضافة إلى استعمالها على الصعيد الاستهلاكي كونها خامة تدخل في صناعة الملابس لاسيما الملابس المطرية كالقماصل المطرية وما إلى ذلك من الاستعمالات، وهي قابلة للتطبيق صناعيا، وبدون أي عوائق، إذ يمكن إنتاجها أو استعمالها في المجالات الصناعية والحرفية والفنية والتصميمية
أما الابتكار الثاني للباحثة صفا لطفي فيتعلق بتوظيف رماد حراشف الأسماك لإنتاج الزجاج العضوي واطئ الحرارة ومنخفض الكلفة وقد حصلت على براءة اختراعه في شهر فبراير الماضي.
وعن منطلق الفكرة تقول الباحثة العراقية “لدى ملاحظتي لحراشف الأسماك التي تتميز بخفتها وقلة سمكها وكونها غير قابلة للطحن إضافة إلى خاصية أخرى وهي أنها حتى بعد تجفيفها تبقى محتفظة بمرونة عالية، اختمرت في ذهني فكرة استخلاص نوع من الزجاج من هذه الحراشف التي تعطي الخامة مواصفات مميزة لا توجد في أنواع الزجاج الأخرى المصنعة، ومن هنا بدأت أبحاثي حول هذه الخامة”.
وقامت الباحثة بتوفير الحراشف من مطاعم تختص ببيع الأسماك والمأكولات البحرية عادة ما تقوم بالتخلص من كميات كبيرة من هذه الحراشف التي تعد نفايات تسبب مشاكل بيئية.
وقد أثبتت نتائج عملية معالجة الحراشف وإدخالها في أفران خاصة ثم تطبيق سيلكا الرماد المنتج على بلاطات فخارية، القيمة العالية لخامة الزجاج العضوي المنتج الذي يتميز بنقاء عال وبوزنه الخفيف ولا يسمح بنفوذ الهواء والرطوبة عَبْرَه. وقد أكسب وجود الفراغات الهوائية الزجاج العضوي المحضَر صفة العزل الصوتي والحراري كما تقول الباحثة.
ويُعَدُّ الزجاج العضوي المحضَر بديلا عن الزجاج العضوي النباتي المصدر، وصديقاً للبيئة إذ يستغل كميات كبيرة مهملة من حراشف الأسماك في صناعة جديدة بالإضافة إلى تدني كلفة إنتاجه التي لا تتطلب درجات حرارة عالية مثل الزجاج العادي. كما لا تحتاج عملية إنتاج الزجاج العضوي المحضَر إلى أدوات معقدة أو غير متوفرة فمعظم المكونات الداخلة في إنتاج الزجاج العضوي، هي من المكونات المتوفرة في مناطق العراق (وفي معظم البلدان العربية) بأشكال مختلفة وهي موائمة وصديقة للبيئة، ولها خاصية البقاء والديمومة.
ويمكن للزجاج العضوي المبتكر أن يُستخدم في الكثير من المجالات المعمارية والفنية والتصميمية والتقنية كتصنيع نوافذ الطائرات وصناعة العدسات وتصميم الأثاث وفي التسقيف لما يتميز به من خفة بالوزن وشفافية وغير ذلك من التطبيقات.
ورغم أن فكرة الجلد النباتي أو الزجاج العضوي ليست بجديدة إلا أن إبداع الباحثة صفا لطفي يكمن أساسا في تفكيرها خارج الأُطُر التقليدية باستخدام مواد متوفرة على نطاق واسع في البيئة العراقية لتصنيع هذه الخامات التي تمتلك العديد من المميزات مقارنة بمثيلاتها المصنعة من مواد أخرى. وتعمل الدكتورة صفا لطفي أستاذة في كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل ولها العشرات من البحوث والكتب في مجال فنون الزخرفة والعمارة الإسلامية ودراسة الأشكال المستخدمة فيها. وهي كذلك فنانة تشكيلية أنجزت وشاركت في العديد من المعارض سواء داخل العراق أو خارجه.
وقد قادها هذا الاهتمام بالعناصر التراثية إلى البحث في تطوير الخامات المستخدمة في إنجاز العديد من المواد من خامات متوفرة في البيئة العراقية المحلية (والعربية عموما).
المصدر