بنت الشاطئ .. وافدة النساء، وفقيهة علوم القرآن في عصرنا الحديث

ثلاثة وستون كتابًا، وأكثر من ألف مقال، قدمتها (فخر النساء) بنت الشاطئ… د. عائشة عبد الرحمن.
ظلت لعشرين عامًا ركنًا علميًا متينًا بكلية الشريعة بجامعة القرويين بالمغرب.

تكاد الدكتورة (عائشة عبد الرحمن) (بنت الشاطئ)، تتجلى على الورق بكل ملامحها الذاتية والعلمية، وذلك لأنها وزوجها أمين الخولي، أبناء مدرسة تقوم أول ما تقوم على النقد والمراجعة، والفحص والدرس، وعدم الانصياع للذاتية أو العفوية في أي عملية من عمليات التعلم أو التعليم.

بنت الشاطئ شجون وشئون

ومن هنا فإن بنت الشاطئ كل لا يتجزأ، وجميع لا يتفرق، بكل ما تحمله من شجون وشئون.
فلا هي نصف شخصية، ولا ربع صورة، ولا مخيلة كاتب، ولا رؤية مفكر.. إنما هي التي كانت وستبقى.. واحدة … متفردة … ومائزة… بين سيدات النهضة العلمية والفكرية والأدبية في عالمنا العربي والإسلامي، وإحدى أهم الأسماء الجامعية المرموقة التي تحمل أصالة السلف وتطلعات الخلف، بأمانة ووعي، واستقصاء ومسئولية.

النتاج العلمي والأدبي للدكتورة بنت الشاطئ

عاشت بنت الشاطئ منذ كانت طالبة بالجامعة إلى آخر أيامها.. رحلة عريضة وعميقة ومثمرة ، مع القلم والبيان، والأدب والقرآن، تمثلت فيما يأتي:

دراسات قرآنية:

التفسير البياني للقرآن الكريم (جزءان).
الإعجاز البياني للقرآن (رسائل ابن الأزرق).
مقال في الإنسان (دراسة قرآنية).
القرآن والتفسير العصري (هذا بلاغ للناس).
القرآن وقضايا الإنسان.
الشخصية الإسلامية: دراسة قرآنية 1972.
مع المصطفى في عصر المبعث.
تراجم سيدات بيت النبوة رضي الله عنهن (في خمسة مجلدات).
الإسرائيليات في الغزو الفكري.
مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث (تحقيق).
محاسن الاصطلاح للسّراج البلقيني (تحقيق).
(الإسلام، اليوم وغدًا).
رابعة العدوية أديبة وشاعرة

تعليق على ما جاء عن القرآن والحديث في كتاب “تاريخ الأدب” لكبير المستشرقين الروسي (كراتشكوفسكي).
مدينة السلام في حياة أبي العلاء. (حوليات جامعة عين شمس 1967)
برديات مصر الإسلامية.
كتابنا الأكبر
ذخائر البردي المصري في متحف البرتينا (فيينا 1966).
الأدب العربي بين التراث والمعاصرة (بحوث حلقة روما للأدب العربي).
المفهوم الإسلامي لتحرير المرأة.
القرآن وقضية الحرية.
من أسرار العربية في البيان القرآني. (1972)
من الإمام مالك إلى المنهج الحديث. (ندوة الإمام مالك بالرباط).
الشباب بين العقيدة والاختيار.
القرآن والفكر الإسلامي المعاصر.
شخصية المرأة في القرآن الكريم.
قبس من مشارق الأنوار، على صحاح الآثار، الموطأ والصحيحين للقاضي عياض (تحقيق).
مشارق الأنوار ومطالع الأنوار لابن قرقول (تحقيق).
المنهج النقلي لعلماء الحديث بين القواعد والتطبيق.
تفسير آيات الأحكام: سورة المدثر.
تفسير آيات الأحكام: سورة الحجرات
التفسير الديني لتاريخنا.
البيان القرآني ومشكلة الترادف.
مقدمة في المنهج.
مقال في الإنسان (دراسة قرآنية)

دراسات أدبية:

رسالة الغفران لأبي العلاء المعري (محققة).
الحياة الإنسانية عند أبي العلاء المعري.
الشاعرة العربية المعاصرة.
قيم جديدة لأدبنا المعاصر.
لغتنا والحياة.
المحكم المحيط العظيم في اللغة (محققة) لابن سيده ت(458هـ).
الخنساء الشاعرة العربية الأولى.
تراثنا بين ماضٍ وحاضرٍ
بطلة كربلاء
دراسات اجتماعية
الريف المصري (أول كتاب ألفته ونشر عام 1939).
قضية الفلاح(دراسة اجتماعية)
الأعمال الأدبية
سيدة العزبة، (امرأة خاطئة) (رواية قصيرة)
رجعة فرعون (رواية قصيرة)
علي الجسر (سيرة ذاتية)
صور من حياتهن (قصص قصيرة)
سر الشاطئ. (مجموعة قصصية)
أرض المعجزات (رحلة في جزيرة العرب عام 1951).
قراءة جديدة لرسالة الغفران (مسرحية)
شاهدة عصر (سيرة ذاتية)
قضايا فكــرية
النهضة النسائية
تحرير المرأة
تطورنا الفكري بعد الثورة
القيم الخلقية وأثرها في تكوين الشخصية العربية
الشخصية الإسلامية
أضواء على السويس
البهائية وعلاقتها بالصهيونية العالمية. (قراءة في وثائق البهائية)
أعداء البشر (دراسة تاريخية لجولات المعركة).
بين الإنسانية وأعداء البشر.

العطاء الثقافي بـ بنت الشاطئ

ولـ بنت الشاطئ خارج هذا العطاء الضخم، عطاء ثقافي متميز من سلاسل المحاضرات والندوات والملتقيات الثقافية التي لم تقبض عنها أقدامها، ولا بيانها إلا في سنواتها الأخيرة… وهذه المنتديات تمتد بامتداد العالم الإسلامي أينما حلت بنت الشاطئ أو رحلت.

وقد تركت هذه الملتقيات صداها في عمق العقلية الثقافية العربية والإسلامية على امتداد أكثر من 60 عامًا…يشير إلى إحداها الشاعر الشهيد هاشم الرفاعي، إثر محاضرة لبنت الشاطئ حول تفسير سورة “الزلزلة” بدار “الشبان المسلمين” في 9 إبريل 1958م.. يقول في مطلعها:

تلفت يشهد زلزالها
إذ الهول مزق أوصالها
وقد راعه أن تعود الجبال
كثيبًا مهيلاً لما نالها
وأن يبصر النار ملء البحار
تدمدم تنشر أهوالها
وأن تتهادى نجوم السماء
وأن تخرج الأرض أثقالها
ويذهل كل أب عن بنيه
فلا تذكر الأم أطفالها

تركت بنت الشاطئ هذا التراث الضخم الذي طرزه قلمها البليغ نثرًا وشعرًا، ومثله معه من رحلة العلم والتعليم في تسع جامعات عربية وإسلامية، بالقاهرة والسودان والأردن والمغرب، والجزائر والسودان والإمارات والسعودية، والكويت… توجتها بما يقارب العشرين عامًا عملت فيها أستاذة للتفسير والدراسات الإسلامية بكلية الشريعة بجامعة القرويين بالمغرب، تخرج على يديها أجيال عديدة من العلماء والباحثين والمفكرين،..

رواق (زهرة منى)

وكما انتهت رحلتها وهي في القمة .. بدأتها وهي في القمة حيث كانت كاتبة منتظمة بمجلة النهضة النسائية وجريدة الأهرام، وعمرها لم يتجاوز بعد الثمانية عشر عامًا… وكان آخر مقالاتها بالأهرام يوم 26 نوفمبر 1998م فيما لحقت بربها في أول ديسمبر من العام نفسه 1998م… راضية مرضية… بعدما لقيت من التكريم المحلي والدولي ما يكافئ المزيد الذي قدمته للمرأة والأمة والعروبة والإسلام…فوقع عليها اختيار جمعية دراسات المرأة والحضارة برئاسة المفكرة السياسية الكبيرة الراحلة د. منى أبو الفضل، لتكون النموذج الأول الذي يدور حوله “رواق زهرة منى” في دراسة موسعة (710 صفحة) أسهم فيها كبار المفكرين الإسلاميين من أمثال د. محمد عمارة ود. طه جابر فياض العلواني والشاعر المفكر الإسلامي محيي الدين عطية، ود. السيد عمر، ود. أماني صالح وهند مصطفى وشهر زاد العربي ود. أمل حماده وآخرون.

بنت الشاطئ وأمين الخولي

إنها بنت الشاطئ التي ختمت رحلتها مع زوجها أمين الخولي في سيرتها الراقية (على الجسر) بأشعارها الرقيقة.
والتي ودعت بها زوجها وشيخها الراحل أمين الخولي في 9/3/1966م… وعلى الرغم من رحلة الروح والعقل والقلب التي قطعتها معه، إلا أنه، وكما يقولون…. إذا اتسع المعنى ضاقت العبارة… لذا فقد خرجت أشعارها نشيدًا مبتورًا قالت فيه:
طيف من أحببته طاف بنا
فتنبهنا على وقع خطاه
خلته قد آب من رحلته
مرهف الشوق وقد طال سراه
وتهاوت نحونا أنفاســه
تحمل البشرى لنا عطر شذاه
ردت الروح إلى أشلائنــا
وسرت في قلبنا نبض حياة
فاستبقنا الباب لاستقباله
وعلى الافق شعاع من سناه
وصحونا فإذا تلك الـرؤى
بعثرتها الريح في تيه الفلاه
وإذا نحن كما نحن هنا
في قرار الكهف لم تفتح فواه
نلعق المر ونقتات الجوى
عافنا الموت وعافتنا الحياة

هكذا تقدم ربة اللغة والفصاحة، معنى…. لا معنى فيه للحياة ولا للموت… عائدة من ضجيج الحياة إلى قرارة الكهف، تلعق المرارة، وتتجرع الجوى، بعد أن استعادت نفسًا من حياتها، ونبضة من روحها…. إثر طيف الزوج الحبيب الراحل الذي طاف عليها منامًا.. كطير المقابر… ولكن… أنّى لمن ذهب أن يعود… فقط… تتبقى الآثار والأفكار…
كما ختمت رحلتها إلى جزيرة العرب (أرض المعجزات، بأشعارها الضارعة اللاهجة لرب البيت٠٠٠٠ أن يبدل حالنا ، وأن يحسن مٱلنا فتقول:

الملايين على مــــر الزمـن
من حجـاز وعراق ويمن
من ضفاف النيل حتى الأطلسي
من ربا الشام وبيت المقدسـي
كم رأها العيد في يوم مني
تلتقي روحـًا وقلبًا ومُنــى
بهتاف العيد يعلو في الفضاء
ربنا لبيـك يا نور السمـاء
عيدنا اليوم وجوم وغضـب
يرفض الصبر ويجفوه الطرب
جرحنا ينزف من جرح الحمى
فيرد الشهد مرًا علقمــــا
وهتاف الناس في هذا الثـرى
يوم عيد الفطر في أم القـرى
ربنا لبيـــك إن الحمد لك

بنت الشاطي وجائزة الدولة التقديرية

وقد حصلت بنت الشاطئ على جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1978م كما حصلت عام 1956م على جائزة الحكومة المصرية في الدراسات الاجتماعية، كما كرّمها ملك المغرب عام 1967م بمنحها جائزة الكفاءة الفكرية، وحصلت عام 1988 على جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ووسام الكفاءة من المملكة المصرية عام 1987م.. كما كرمت كعالمة متفردة باللغة وعلوم القرآن، فتم اختيارها لعضوية مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة وهي عضوية لم تمنح لغيرها من النساء.. إلى جانب عضوية الكثير من اللجان اللغوية والفقهية.

بنت الشاطئ وجائزة الملك فيصل العالمية

كما أنها أول امرأة عربية مسلمة تحصل على جائزة فيصل للأدب العربي مناصفة مع د. وداد القاضي عام 1994م.
رحمة الله على السيدة التي قيل فيها:

درجت على الشط الذي مــرآه يحيي موات النفس إذ تلقـاه
ولقد تبناها فعاشت عمــــرها تهوى ركوب البحر لا تنساه
ركبت سفين الصعب لا تلوي على مرسى إلى أن بثها نجـواه
كم أبحرت ، كم سافــرت بهمومها وكتابها بيمينها ترعـــاه
ولقد أتى التاريخ يخطــب ودّها فتعانقا وروت لنا مســراه

واعتبرتها بنات جنسها (فخر النساء) حيث تسامين بها على لسان الشاعرة “نوال مهني” في قولها:
فخر النساء وأي فخـر أنتٍ لهف القلوب عليك يوم رحلــت
يا زهرة الإسلام طابت منبتًا وعلى رباه الناضرات درجــت
وقبست من نور النبوة جذوة كانت لك الزاد الكريم، فكنــت
لبنات مصر الماجدات علامة فطريقهن أضاء حيث خطــرت
ما كان دربك بالورود معبدًا لكن على خوض الصعاب فُطرت

بنت الشاطئ.. وافدة النساء، وفقيهة علوم القرآن في عصرنا الحديث

رضوان الله على عائشة عبد الرحمن… وافدة النساء، وفقيهة علوم القرآن في عصرنا الحديث.. التي عاشت عمرها عالمة ومعلمة… فأصلت الكثير من القضايا في ردودها على التفسيرات العصرية للقرآن الكريم وما يشوبها من أخطار.. وعاشت معاركها الفكرية مع العقاد ومصطفى محمود وغيرهم، ثم تجلّى جوهرها وثقلها الفكري في ردودها الشهيرة على البهائيين، وفضح أسرارهم المدخولة بالصهيونية العالمية.

أما عن حمايتها وحراستها للتراث القرآني لغة وشرعًا… فحدث ولا حرج… فقد كانت خير ممثلة لمدرسة منهجية ….. استصفتها من أمين الخولي، تلك المدرسة التي يقوم قوامها على أن : قتل القديم فهمًا… هو أول الجديد.
وكانت في هذا المشوار الطويل تحصيلاً وتوصيلاً.. وإقامة واغترابًا، صبورة جلدة، فقد توالت نكباتها من الأمراض إلى فقد الزوج والمعلم أمين الخولي في مارس 1966، ثم كانت الطامة في فقد ابنتها الكبرى “أمينة” وابنها الأصغر “أكمل”…
وامينة هذه كانت طالبة عبقرية،حصلت علي الدكتوراه في الرياضيات،بعد أن تخرجت في علوم عين شمس،قسم الرياضيات، وعينت معيدة،ثم بعثت إلي النمسا للحصول علي الدكتوراه التطبيقية، وماتت هذه العالمة العبقرية الشابة،بعد حصولها علي الدكتوراه حول نظرية اينشتاين، من جامعة فيينا،وأهدت رسالتها لوالدها،عام 1394ه‍/1974م بعد صراع مرير مع عدة امراض نادرة.

ثم كانت الكارثة الداهية التي حلّت عليها وبها، حيث أصرت ابنتها الوسطى “أديبة أمين الخولي”، على الزواج من شاب أجنبي، وهاجرت معه إلى بلاده بالنمسا، بعد أن تخرجت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ثم عملت لمدة عام مذيعة بالبرنامج الأوربي، بالإذاعة المصرية، وبررت سفرها لارتباطها الشديد بأختها،(أمينة) ذات الظروف المرضية الخاصة٠
وزوجها هذا متخصص في الرياضيات،وله اهتمام شديد بالأدب العربي ، وهي تعمل الٱن كأستاذة لغويات بجامعة (فيينا) وقد أفادت د يمني طريف الخولي أن زوجها قد أسلم ،وحسن إسلامه ،والحمدلله رب العالمين.

لكنها… وعلى الرغم من ذلك كله، فقد ظلت متسلحة لكل القضايا التي خاضتها بعلم وافر، وذكاء وقاد، وشجاعة نادرة، ورؤية عصرية، ونفاذ مستقبلي بصير…
خاضت معارك العدالة الاجتماعية والوعي السياسي، والأصالة المعاصرة، والرجعية والتقدمية، والاستلاب والتبعية، والأمية والتعليم، والدراسات اللغوية والقرآنية بين الأصيل والدخيل، والمرأة والمجتمع… وغيرها من القضايا التي مرّ بها مجتمعنا العربي الإسلامي في العصر الحديث… وكانت في كل ذلك مثالاً للمرأة المسلمة العالمة المستبحرة في تراثنا العريق، الواقفة على شواطئ المستقبل بكل جديد ورشيد ومفيد.

أهم المراجع:
أميرة خواسك: مركز المرأة المصرية للخروج من عصر الحريم، الهيئة المصرية العامة للكتاب (مكتبة الأسرة)، القاهرة، 2000.
أندريا ريكاردي: إحياء ذكرى عائشة عبد الرحمن، جريدة الأهرام، عدد 9/2/2000.
بنت الشاطئ من رائدات الفكر الإسلامي الأصيل: د. عبد الحليم عويس، دار الكلمة، القاهرة، 2010.
بنت الشاطئ: (خطاب المرأة أم خطاب العصر)، جمعية دراسات المرأة والحضارة، د. منى أبو الفضل، القاهرة 2010.
د. إبراهيم محمد منصور: المكتبة العربية في القرن العشرين، مصطفى الشاعر، طنطا، 2005م.
مثل رائع للمثقفة المسلمة: د. محمد رجب البيومي، دار الأصالة، الرياض، 1985م.
مؤلفات بنت الشاطئ وأمين الخولي.
هدى الصدة وعماد أبو غازي: مسيرة المرأة المصرية، مراجعة وتقديم جابر عصفور.
وفاء الغزالي: رحلة في أمواج الحياة، كتاب اليوم، دار أخبار اليوم، القاهرة، 1999م.
هاشم الرفاعي: الأعمال الكاملة، تحقيق جامع الرفاعي، مكتبة الإيمان، المنصورة، 1997م.
د. حسين نصار: أمين الخولي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1996م.
تراجم اعيان الأسر العلمية خلال القرن الرابع عشر الهجري ،جلال محمد حمادة ، الجزء الأول،دار الفتح،القاهرة،2021,ص239
نوال مهنى: من فيض الإيمان، ديوان شعر، مكتبة الآداب، القاهرة، 2003م.

القاهرة: د محمود خليل