Uncategorized

سلمان بو ستة.. فارس إحياء الذاكرة والحلم الفلسطيني

أن تمارس اليوم عملا ممتدا ودؤوبا يحيي الماضي ليس بغرض العيش في أسره، بل باعتباره عتبة تقف عليها لتحقيق حلم المستقبل، حلما عنوانه “العودة”. وأن تمارس فضيلة الاستقلال طوال حياتك بديلا لواقع تكرس على الانقسام والاستقطاب، والإلحاق، وأن تكون جسرا تلتقي عليه جميع أطياف شعبك وهم يتحركون نحو المستقبل الواضح الجلي الذي يحدوه حق شعبك وأمتك، فلن تكون غير سلمان بو ستة، ذلك الثائر الوادع، هادئ الصوت دؤوب العمل، حارس الذاكرة، وعراب حق العودة، وقائد تنظيف وتنظيم البيت الفلسطيني من الداخل بمكنسة الديمقراطية كما عبر في كلمته أمام المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج.

ولد الدكتور سلمان حسين دهشان أبو سته، في بئر السبع عام 1937، وأحرز الترتيب الأول على كافة طلاب وطالبات مصر والسودان وقطاع غزّة في شهادة الثقافة العامة عام 1953 والتوجيهية عام 1954، درس بالمدرسة السعيدية بالقاهرة، وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة القاهرة عام 1959، وعلى شهادة الدكتوراة في جامعة لندن عام 1964، وألّف أكثر من ثلاثين بحثا علميا وكتابا في الهندسة، وأنشأ في الكويت في ثمانينات القرن الماضي شركة العمران الدولية وحوّلها إلى مركز متخصص في قضية فلسطين.

 

كان عضوا مستقلا في المجلس الوطني الفلسطيني بين عامي 1974 وأوقف عضويته عند اتفاقية أوسلو عام 1993، وهو عضو هيئة التعاون الفلسطينية في جنيف ورئيس لجنة اللاجئين والأونروا بها، ألف أكثر من ثمانين بحثاً ومقالا وأصدر عدة كتب عن اللاجئين بالعربية والإنجليزية وصمم ورسم خريطة تضم كل قرى ومدن فلسطين، وُزِع منها مليون ونصف مليون نسخة باللغتين العربية والإنجليزية .

عرف عن الدكتور أبو ستة حمله للواء حق العودة كهدف استراتيجي مستقبلي، وعبر خلال حياته التي بلغت ثمانين عاما حتى الآن، وذلك أولا من خلال الغوص في ملفات الماضي لمقاومة محو الهوية والبلدات الفلسطينية، وتجلى ذلك في أعماله الفكرية والبحثية لحفر أساسات ذلك الحق، خاصة بعد اتفاق أوسلو عام 1993، الذي تجاوز عن حق العودة، وحق تقرير المصير، وحق إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، ولذلك تركزت أعماله حول إثبات هذا الحق إزاء كل من الاحتلال الصهيوني، وسلطة أوسلو، فكان أن أصدر كتب: حق العودة مقدّس وقانوني وممكن. صادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2001. وطريق العودة، دليل المدن والقرى المُهجّرة والحالية والأماكن المقدسة في فلسطين صادر عن هيئة أرض فلسطين، لندن، 2007. وسجل النكبة 1948. صادر عن مركز العودة الفلسطيني، لندن، 2000.

وأطلس فلسطين 1948. صادر عن هيئة أرض فلسطين، لندن، 2004. وأطلس فلسطين 1917 – 1966. صادر عن هيئة أرض فلسطين، لندن، 2010 بالإنجليزية، و2012 بالعربية. والحقوق لا تزول، صادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2013.

ولمأسسة عمله على إثبات حق الفلسطيني في العودة إلى أرضه أسس الدكتور أبو ستة هيئة أرض فلسطين Palestine Land Society التي يرأسها في بريطانيا.

وهي جمعية أكاديمية غير ربحية مستقلة بريطانية، مختصة بالابحاث والمعلومات عن فلسطين، أرضاً وشعباً. وتقوم بذلك من خلال توثيق جغرافية فلسطين وتاريخها ومجتمعها وثقافتها، ونشر المعلومات عنها فى خرائط وكتب وأبحاث ومؤتمرات، والاشتراك فى المؤتمرات الأكاديمية والدولية عن الموضوع. ‬ولعل أجل تلك الأعمال التي قام بها الدكتور أبو ستة ونشرتها هيئة أرض فلسطين هي الأطالس التي توثق القرى والبلدات الفلسطينية قبل الاحتلال الصهيوني، والتي ظل ينقب ويجمع مصادرها من كل مكان طوال 40 عاما، يقول عن ذلك في حوار معه: لم يكن كافيا جمع هذه الوثائق بل كان ينبغي التدقيق فيها ومراجعتها وإزالة الشوائب منها وإكمال النواقص فيها، ثم رسمها في خرائط متكاملة أدت في النهاية إلى أطلس فلسطين الذي يسجل 1,200 مدينة وقرية و12,000 معلم ديني وتاريخي و30,000 اسم مكان في فلسطين.

وكذلك أصدرنا عدة أطالس أخرى وكتب وأكثر من 400 بحث عن فلسطين. وهذا إرث كل فلسطيني لكي يسترجع حقه في وطنه ويعود إلى العيش فيه بحرية وكرامة، وهو أيضاً رد قاطع على محاولة طمس تاريخ وجغرافية فلسطين.

لم يتوقف جهد الدكتور أبو ستة في نصرة قضية فلسطين وحق العودة ومقاومة آثار اتفاقية أوسلو التدميرية على ذلك، وإنما انصرف إلى عمل جليل آخر، عمل مستقبلي الوجهة بامتياز، وهو مشاركته في تأسيس المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، وهو المؤتمر الذي عقد يومي 25 و26 فبراير عام 2017، للتأكيد على حق الفلسطينيين في الشتات (وهم يمثلون حوالي 50% من التعداد الإجمالي التقديري للفلسطينيين في العالم وهو ما يقرب من 13 مليون)، في الترشح والانتخاب في المجلس الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية، بما يؤدي إلى إطلاق حراك شعبي وطني يحقق تفعيل دور الشعب الفلسطيني في الخارج من أجل الدفاع عن قضية فلسطين، وحقوق شعب فلسطين في تحرير أرضه والعودة إلى وطنه ودياره وإقامة دولته الحرة المستقلة وعاصمتها القدس، ويطور قدراته وآلياته لتلبية احتياجات شعب فلسطين ومعالجة همومه ومشكلاته في الخارج.

 

وقد اختار المؤتمر الدكتور سلمان بو ستة رئيسا للهيئة العامة للمؤتمر، وقرر المؤتمر إطلاق مسارات ومبادرات ومشروعات جامعة تأسيساً على تراكم الجهود الوطنية لشعب فلسطين في مراحل نضاله كافة، وخبرات أبنائه، وإمكاناتهم الهائلة والمهدورة، وبحث المؤتمر تفعيل دوره على المستويات الجماهيرية والإعلامية والسياسية والحقوقية والمدنية والاقتصادية كافة وتفعيل العمل النقابي الفلسطيني في كافة جوانبه.

منذ أن أخرج بوستة من بيته ومدينته ووطنه، كان وما زال وطنه في وجدانه، وفي عمله، بنى بالأساس نفسه من خلال أعلى مستويات التعليم، ليكرس حياته وعمله بعد ذلك لهذا الوطن، من خلال الكتابة والبحث ومن خلال أطالس وخرائط فلسطين، إلى هيئة أرض فلسطين ونهاية بالمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، يستمر نضاله، متخذا من الماضي أساسا لعمل اليوم، وتحقيقا لحلم الغد بالعودة وتحرير فلسطين.

د. مجدي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى