سوزان سيمارد .. ودراسة شبكة الاتصالات النباتية الذكية

في السابع من أغسطس من عام 1997 نشرت دورية نيتشر نتائج أول دراسة للباحثة الكندية سوزان سيمارد Suzanne Simard والتي درست فيها بشكل عملي دور شبكة الفطريات التكافلية mycorrhizal fungi في التساند والتعاضد بين أشجار الغابات عبر تناقل الكربون والنيتروجين والفوسفور فيما بينها، ويومها احتفت الدورية العلمية الأشهر والأقدم في العالم بالدراسة ونتائجها، وعنونت غلافها بهذه التسمية “شبكة باتساع الغابة Wood Wide Web” محاكاة ربما لاسم الشبكة العالمية للإنترنت وأحرفها الأولى “www”.

ومنذ ذلك الحين نشرت سوزان أكثر من 200 ورقة بحثية عمقت فيها فهمنا حول الأدوار المختلفة لهذه الشبكة الفطرية التي تمتد بين جذور جميع الأشجار والنباتات تحت الأرض، ودورها في التكافل والتعاون والتعاضد في نقل المعلومات والإشارات التنبيهية في حالات الخطر، فضلا عن التساند بنقل المغذيات بأنواعها المختلفة والمياه فيما بينها، تزيد وتنقص بحسب الاحتياج، وباختلاف الأحوال، وتتكون تلك الشبكة كما كشفت أبحاث سوزان وفريقها البحثي في جامعة كولومبيا البريطانية في كندا من عشرات الأنواع من الفطريات، يختص كل منها بدور في هذه العملية المعقدة التي يمكن تلخيص نتيجتها الإجمالية في تحقيق صحة جميع الأشجار والنباتات، وعلى الرغم من أن هذه المعارف ربما استنبطتها الشعوب الأصلية والقديمة في حكمتها المكتسبة على مدار مئات السنين وتوارثها الأجيال المتعاقبة، إلا أن البشر المحدثين وفي إطار ممارساتهم الاقتصادية والتجارية و”العلموية” الحديثة تجاهلوا تلك المعارف “البدائية” من وجهة نظرهم، وصاروا يتعاملون بطرق شديدة الضرر للنباتات والأشجار على المدى القصير، في سبيل تحقيق أرباح قصيرة النظر، ولا يلبث التدهور الناتج عن ممارساتهم أن يؤثر سلبا على المدى الطويل على تلك الأرباح.

سوزان سيمارد هي أستاذة علم بيئة الغابات في جامعة كولومبيا البريطانية، ولدت ونشأت في منطقة جبال موناشي في ولاية كولومبيا البريطانية في كندا، وحصلت على درجة الدكتوراه في علوم الغابات من جامعة ولاية أوريجون الأمريكية، وقبل التدريس في الجامعة عملت كعالمة أبحاث في وزارة الغابات في كولومبيا البريطانية.

وقد لعبت طوال حياتها البحثية دورا رائدا في دراسة شبكة الاتصالات النباتية الذكية وتوصلت خلال رحلتها البحثية إلى صياغة مفهوم جديد مبني على إدراك أن الغابات بها أشجار محورية، أو “الأشجار الأم Mother Trees”، وهي الأشجار الكبيرة التي تمثل في بيئاتها “مجمعا” لشبكة الاتصالات حيث تلعب دورا مهما في تدفق المعلومات والموارد في الغابة.

ومن ثم فقد أسست عام 2015 “مشروع الشجرة الأم Mother Tree Project” حول روابط الأشجار داخل الغابات وتقوده سوزان سيمارد بالتعاون مع شبكة من الباحثين حول العالم، كما يجمع بين الأوساط الأكاديمية والحكومة وشركات الغابات والغابات البحثية والغابات المجتمعية والشعوب الأصلية لتحديد وتصميم الممارسات الناجحة لتجديد الغابات.

ويستكشف المشروع مجموعة من الأسئلة البحثية حول الدور الذي تلعبه الأشجار الأم في تجديد الغابات، وخلطات الشتلات الأفضل لتجديد الغابات، وتأثير حجم وعدد وتوزيع الأشجار المتروكة بدون قطع في موقع الحصاد على تجديد الغابات، وتأثر ميزانية الكربون في الغابات بمختلف معالجات الحصاد والتجديد، وتأثر التنوع البيولوجي (الحيوانات والنباتات والفطريات والبكتيريا) بمختلف معالجات الحصاد والتجديد، وغير ذلك.

وإضافة لمشروع الشجرة الأم ذو الطابع البحثي، ساهمت سوزان سيمارد مع عدد من علماء الجامعة في تأسيس برنامج تيريويب TerreWEB لتدريب طلاب الدراسات العليا في الجامعة على التواصل العلمي وعلى اكتساب مهارات تبسيط وتوصيل أبحاثهم العلمية للجمهور العام.

وقد مارست سوزان التواصل مع الجمهور بنفسها بعد أن كانت تشعر برهبة من هذا الأمر، ومن ثم فقد ظهرت 3 مرات في محاضرات تيد TED كما تحدثت في فيلم وثائقي قصير بعنوان “هل تتواصل الأشجار Do Tree Communicate?”، فضلا عن الفيلم الوثائقي الطويل “الأشجار الذكية Intelligent Trees”، وأخيرا فقد نشرت عام 2021 كتابها الأول ” العثور على الشجرة الأم: الكشف عن حكمة وذكاء الغابة Finding the Mother Tree: Uncovering the Wisdom and Intelligence of the Forest”، والذي تمزج فيه ما بين السيرة البحثية العلمية والسيرة الذاتية والأسرية، التي تناولت فيه طفولتها في غابات كولومبيا البريطانية، وأسرتها، مرورا بمصرع شقيقها، وزواجها وإنجابها لبنتيها، ثم انفصالها، وتجربة إصابتها بالسرطان ومرورها برحلة العلاج القاسية وصولا إلى تعافيها، كل ذلك ممزوجا بالحديث حول رحلة شغفها بالفطريات المحيطة بجذور الأشجار منذ طفولتها في الغابة، مرورا بدراستها لعلم الغابات، ومعاناتها مع الشركات التي تقطع الغابات لصناعة الأخشاب، ثم مع وزارة الغابات بسبب ممارساتهم الخاطئة والضارة ببيئة الغابات، ومهاجمتهم لنتائج دراستها في الدكتوراة التي أشرنا لنشر دورية “نيتشر” لنتائجها عام 1997، ثم رحلتها البحثية بعدما التحقت بالكادر الأكاديمي والبحثي بجامعة كولومبيا البريطانية، وتعاونها البحثي مع عدد من الباحثين في المجال، ومع طلابها، لتتعمق معها في وظائف هذه الشبكة الفطرية العجيبة ودورها الحيوي في صحة الأشجار والنباتات والغابات، وعلاقة باقي الكائنات في البيئة بهذا الدور الحيوي بما يساهم في مرونة الغابات وقدرتها على التكيف والتعافي، وآثار ذلك بعيدة المدى على كيفية إدارة الغابات وعلاجها من التأثيرات البشرية، بما في ذلك تغير المناخ.