نموذج لعالم من العباقرة الذين أنجبتهم الأرض العربية، ليحققوا للغرب مزيدا من التقدم ، دون أن تحصل الأم على مقابل، إنه ” شارل عشي ” ابن لبنان أرض الحرية ، حرية العقل، حرية العقيدة، حرية الأرض ، عالم رفع اسم العرب عالياً في الفضاء، أحب البحث العلمي والسماء والنجوم منذ نعومة أظافره، حتى أن كوكبا في الفضاء حمل اسمه تتويجا لأبحاثه واكتشافاته .
” شارل عشي ” الطفل في مناجاته للنجوم وتساؤله عما إذا كانت مأهولة بالسكان، يستعد كعالم لدراسة واستكشاف المريخ ، وفي حديث له متذكرا طفولته الصغيرة يقول: ” اذكر أني عندما كنت صغيراً كنت أنام ليلاً على (صوفا) موضوعة على شرفة منزلنا في رياق، حيث كنت امضي طوال الليل أتأمل النجوم. السماء في رياق ليلاً لها رونقها ، إذ كانت دائماً صافية ، لذا كنت أسافر في نجوم السماء من على الصوفا واطرح على نفسي أسئلة : كم نجمة في السماء ? هل فيها بشر مثلنا وينظرون إلينا ? ماذا يفعلون هناك، وكيف هي حياتهم وهل تشبهنا ? هذه القصة ارويها دائماً في الولايات المتحدة الأميركية لليوم ، وأقول لهم كيف كنت أفكر حين كنت صغيراً ، لكني لم أكن أفكر أني سأصبح مسؤولاً عن الأبحاث الفضائية في (الناسا). هذه القصة قصة طفولتي وأحلامي – أحبها لليوم”.
ولد ” العشي ” في مدينة زحلة في 18 نيسان 1947 وفيها أتمّ دراسته الثانوية وفاز بالمرتبة الأولى في الامتحانات العامة في لبنان ، تمتد مسيرة ” العشي ” ما بين أربعة علوم وعشرات المسؤوليات الفضائية ، وبدايةً فمنحة الرئيس شارل حلو عام 1964 سمحت له إكمال دراساته العليا في فرنسا ، فحاز على شهادة في الفيزياء من جامعة غرونوب ودبلوم في الهندسة من معهد البوليتكنيك عام 68 ، من أوروبا انتقل إلى الولايات المتحدة فحاز على الماجستير ثم الدكتوراه في العلوم الكهربائية من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا CALTECH في باسادنيا – كاليفورنيا في العام 1969 و 1971، حصل على شهادة الماجستير في الأعمال من USC عام 1978، ثم حصل على شهادة الماجستير في الجيولوجيا من جامعة U C L A عام 1983.
شارك العشي في العديد من البعثات الأركيولوجية العلمية في الصحراء المصرية، و شبه الجزيرة العربية و الصحراء الغربية الصينية للبحث عن طرق التجارة القديمة و المدن المدفونة تحت الأرض، و ذلك بعد الاستعانة بتقنيات التصوير الراداري بالأقمار الاصطناعية، التي ساهم العشي نفسه في تطويرها.
اشتهر ” العشي ” عالميا بتعقب آثار المركبات التي ضاعت في طريقها إلى المريخ والتي بلغ عددها أكثر 20 مركبة فضائية أمريكية وأوروبية وروسية، لعل آخرها مركبة ” بيجل ” الأوروبية، والتي اختفى أثرها بعد اختراق مركبتها جو الكوكب، كذلك رأس العشي لجنة التحقيق في اختفاء سفينة ” راصد التاريخ ” الفضائية.
شغل ” العشي ” منصب نائب رئيس معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا California Institute of Technology، وقام بتطوير العديد من التقنيات المتقدمة لاستخدامها في استكشاف النظام الشمسي ودراسة أسباب نشوئه، ومراقبة الأرض، والفيزياء الفلكية.
يعمل ” شارل عشي ” مدير مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion laboratory التابع لوكالة الفضاء الأميركية الناسا-NASA، المخاطرة والإدارة الجريئة ميزّت عمل العشي فعندما تسلّم العشي قيادة مختبر الدفع النفاث JPL لم تكن الأمور بالشكل المطلوب لمركز علمي تقع على عاتقه قيادة مشاريع الفضاء الكبيرة . فخفض الميزانيات، وهجرة العقول، والفشل الذي أصاب مهمات استكشاف المريخ عام 1999 وضعت المختبر على مفترق طرق صعب. وأصبح هناك حاجة ماسة إلى إدارة جديدة ورؤية جديدة تعيد وضع المختبر على طريق الإبداع والاختراع .
يشرف ” د. شارل العشي ” على استكشاف كوكب المريخ بعد هبوط مركبتي سبيريت Spirit و أوبورتشونيتي Opportunity على سطحه،وعلى استكشاف كوكب زحل وأقماره بعد وصول مركبة كاسيني إلى مداره.
نال الدكتور العشي العشرات من الجوائز العلمية العالمية، وكرّم بإطلاق اسمه على أحد الكويكبات “4116 Elachi” تقديراً له على مساهماته في استكشاف النظام الشمسي.
عربة “سبيريت” واحدة من مركبات فضائية عدة أرسلت إلى المريخ في السنة الماضية للاستفادة من مروره في أقرب موقع إلى الأرض خلال 60 ألف السنة الأخيرة. في 24 من الشهر الجاري ستحط على الطرف الآخر من المريخ عربة “تشانس” Chance، التوأم لعربة “سبيريت”. والعربتان آلّيتان (روبوت) تتحركان ذاتياً بواسطة أقدامهما الستة، وقادرتان على تلمس طريقيهما عبر الصخور المتناثرة على سطح المريخ. بلغت كلفة العربتين 820 مليون دولار، وهما مجهزتان بأدوات البحث الجيولوجي لكشط الصخور أو حفرها والتقاط نماذج منها لإجراء التحليلات اللازمة لذلك في الموقع مباشرة.
اشتهر بطرقه المبتكرة في الاستشعار وتطوير أنظمة رادار استخدمت خلال نحو 15 عاماً في سفن الفضاء الأميركية. ساعدت هذه الأنظمة مركبة الفضاء التي حملت عربة “سبيريت” في الهبوط على المريخ في الموقع المختار لها على مسافة 150 مليون كيلومتر من نقطة انطلاقها في الكرة الأرضية. هبطت المركبة في موقع محدد من فوهة يبلغ عرضها نحو 144 كيلومتر تقع جنوب خط الاستواء لكوكب المريخ. يُعتقد أن هذه الفوهة نشأت عن ارتطام مذنب بسطح الكوكب قبل 4 مليارات عام، وقد اختيرت لاحتوائها على آثار قنوات ومجاري مياه تعود ربما إلى أنهار أو سيول قديمة جافة. اقتضى الهبوط في هذا الموقع حساب حركات ثلاثة أجسام تدور في آن حول الشمس، هي الكرة الأرضية، التي انطلقت منها المركبة الفضائية، وكوكب المريخ، الذي تقصده، إضافة إلى دوران المركبة نفسها حول الشمس. وسجلت المركبة عند اختراقها جو المريخ رقما قياسياً في الدقة الملاحية بلغ 200 متر، من دون أن تحتاج إلى تعديل مسارها ولو مرة واحدة عبر رحلة استغرقت نحو 8 شهور.
كل يوم يمرّ على عربة “سبيريت” في المريخ يعادل الهبوط في موقع آخر، حسب شارل العشي، المركبة مرّت بأخطر 6 دقائق من رحلتها عند ارتطامها بجو المريخ. درجة الحرارة الناجمة عن ارتطام المركبة المنطلقة بسرعة نحو 20 ألف كيلومتر في الساعة تماثل الحرارة على سطح الشمس، وتبلغ 1447 درجة مئوية.
مع ذلك حافظت الدروع الواقية المحيطة بالمركبة على درجة حرارة داخلها تعادل حرارة الغرفة. ستة دقائق من الجحيم، حسب تعبير مسؤول البعثة فصلت ما بين الانتقال من سرعة 20 ألف كيلومتر في الساعة إلى سرعة صفر، ليتهيأ للمركبة فتح مظلات الكبح واستخدام صواريخ دافعة صغيرة لتوجيه حركتها. وعلى مسافة تبلغ ارتفاع بناية من ستة طوابق عن سطح الكوكب انفتحت مظلات الهبوط وحطّت المركبة في موقعها المختار وتفتّحت أذرعها التي تحتضن العربة داخلها. وعلى رغم تحريك “سبيريت” أقدامها الأمامية في اليوم التالي لهبوطها، إلاّ أنها لن تشرع قبل نحو أسبوع في السير على أقدامها الستة خارج المركبة التي حملتها إلى سطح المريخ. مخاطر كبيرة تهدد العربة آنذاك حيث يمكن لصخرة تحت مركبة الهبوط أن تسد عليها منفذ الانتقال إلى سطح المريخ.
أول موقع للتنقيب ستتوقف عنده العربة يطلق عليه العلماء اسم “الحفرة النائمة”، وهي واحدة من عدة حفر ضحلة تبّقع سطح الموقع الذي هبطت فيه العربة.