تنسب قوانين الميكانيكا إلى العالم البريطاني “إسحاق نيوتن” الذي عاش خلال الفترة 1642- 1727م, على الرغم أن عددا من علماء العرب قد اكتشفوها من قبل نيوتن بمئات السنين.
ومن ضمن هذه القوانين قانون القصور الذاتي المسمى قانون نيوتن الأول، وهو نفس القانون الذي توصل إليه أخوان الصفا في رسالتهم الرابعة والعشرين (وهم علماء وفلاسفة من القرن العاشر الميلادي) فيقول أخوان الصفا: “أن الأجسام كل واحد له موضع مخصوص ويكون واقفا فيه لا يخرج إلا بقسر قاسر”، وهذا يعني أن الجسم الساكن يبقى مكانه حتى تجبره قوة على تغيير مكانه.
ويقول الشيخ الرئيس ابن سينا الذي عاش خلال الفترة من 980م- 1037م : ” إنك لتعلم أن الجسم إذا خلى وطباعه ولم يعرض له من الخارج تأثير غريب ,لم يكن له بد من موضع معين وشكل معين” كما يقول : “وليست المعاوقة للجسم بما هو جسم بل بمعنى فيه يطلب البقاء على حاله”، وهذا يشير لنفس المعنى.
ويقول ابن سينا: “ليس شئ من الأشياء الموجودة يتحرك أو يسكن بنفسه أو يتشكل أو يفعل شيئا غير ذلك”، وهو ما يعني أن الجسم الساكن يبقى ساكنا والجسم المتحرك يبقى متحركا ما لم تؤثر عليه قوة.
ويقول الفخر الرازي الذي عاش في الفترة 1150-1210م في كتابه علم الإلهيات والطبيعيات: “وقد بينا أن تجدد مراتب السرعة والبطيء بحسب تجدد مراتب المعاوقات الخارجية والداخلية”
وتشير هذه النظريات التي توصل إليها العلماء العرب أنه لولا المعوقات مثل الاحتكاك لأحتفظ الجسم بسرعة ثابتة إذ أن تغير السرعة مرتبط بتغير هذه المعوقات علما أن ابن سينا هو أو من وضع هذا القانون ولهذا يجب أن يسمى هذا القانون قانون ابن سينا بدل قانون نيوتن الأول.
أما بخصوص قانون الحركة المعروف بـ “قانون نيوتن الثاني” فيقول هبة الله بن ملكا البغدادي في كتابه المعتبر في الحكمة عاش في الفترة 1087-1165م: ” لو تحركت الأجسام في الخلاء لتساوت حركة الثقيل والخفيف, والكبير والصغير, والمخروط المتحرك على رأسه الحاد , والمخروط المتحرك على قاعدته الواسعة , في السرعة والبطيء” ويقول أيضا : ” ..ويستدل على ذلك الحجر المرمي من عال من غير أن يكون عائدا عن صعود بحركة قسرية , ولا فيه ميل قسر , فإنك ترى مبدأ الغاية كلما كان ابعد كان آخر حركته أسرع” ويقول: “لأن الحركة الطبيعية تزداد سرعة كلما أمعنت”.
ويقول ابن سينا : “وأما ما يعتري الأجسام الصغيرة مثل الخردلة مثل التبنة ومثل نحاتة الخشب ,مع أنها لا تنفذ عند الرمي في الهواء نفوذ الثقيل, فليس السبب أن الأثقل اقبل للرمي والجر, بل لأن بعض هذه لصغرها …….لا تبلغ شدتها أنها تقدر بها أن تخرق الهواء”، ويقول أيضا: “وبعضها يكون متخلخلا لا يقدر على خرق الهواء …” ، “مقاومة المنفوذ فيه –أي الهواء- هو المبطل للقوة المحركة”
ويقول الفخر الرازي : “وأما أن كان الجسم معارضا بما يدفعه مثل الحجر الهاوي فإن الهواء يقاومه وبقدر تلك المقاومة يحصل الفتور”.
وهذه النصوص تؤكد أن العرب توصلوا لفهم القانون الثاني للحركة المسمى قانون نيوتن الثاني قبل نيوتن بمئات السنين وعرفوا أن الأجسام تتسارع عندما تسقط سقوطا حرا وأن جميع الأجسام تسقط بتسارع واحد ولكن مقاومة الهواء هي التي تعيق الأجسام الخفيفة.
وكذلك الحال بالنسبة لقانون نيوتن الثالث، فيقول أبو البركات هبة الله بن ملكا البغدادي: “إن الحلقة المتجاذبة بين المصارعين لكل واحد من المتجاذبين في جذبها قوة مقاومة لقوة الآخر , وليس إذا غلب أحدهما فجذبها نحوه تكون قد خلت من قوة جذب الآخر , بل تلك القوة موجودة مقهورة , ولولاها لما احتاج الأخر إلى كل ذلك الجذب” ويقول الفخر الرازي: “فالحبل الذي يجذبه جاذبان متساويا القوة إلى جهتين مختلفتين…..”
والعالم هبة الله البغدادي هو أول من كتب في هذا العلم ولهذا يجب أن يسمى هذا القانون قانون (هبة الله البغدادي)
قانون الجذب العام ينسب لنيوتن وينص على أن أي كتلتين يوجد بينهما تجاذب يتناسب طردا مع كتلتهما وعكسيا مع مربع المسافة, وقد قرأنا عن قصة التفاحة التي سقطت وألهمت عبقرية نيوتن هذا القانون، والحقيقة أن العرب عرف أن بين الأجسام قوة تجاذب وذلك قبل اسحق نيوتن بمئات السنين ويقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه (المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات): “انجذاب الجسم إلى مجاوره الأقرب أولى من انجذابه إلى مجاوره الأبعد”
يقول ثابت بن قرة الحراني المدرة إنما تعود إلى الأسفل لأن بينها وبين كلية الأرض مشابهة في كل الأعراض أعني البرودة واليبوسة والكثافة والشيء ينجذب إلى أمثله والأصغر ينجذب إلى أعظم.
أما القوة الطبيعية أو (قوة التثاقل) فقد فهم العرب تماما أن لكل جسم قوة (طبيعية) فيه هي القوة التي نسميها اليوم قوة التثاقل وهي القوة الناشئة عن جاذبية الأرض، ويقول الشيخ الرئيس ابن سينا في كتابه الشفاء: إن الأجسام الموجودة ذوات الميل كالثقيلة والخفيفة أما الثقيلة فمما يميل إلى أسفل وأما الخفيفة فمما يميل إلى فوق فأنها كلما ازدادت ميلا كان قبولها للتحريك القسري أبطأ فإن نقل الحجر العظيم الشديد الثقل أو جره ليس كنقل الحجر الصغير القليل الثقل أو جره، فالميل هنا بمعنى قوة الجاذبية ونحن نعلم أن الجسم كلما زاد وزنه كلما زادت قوة احتكاكه بالسطح الذي عليه يرتكز إذ أن قوة الاحتكاك تتناسب تناسبا طردياً مباشرا مع وزن الجسم وبالتالي فكلما زاد وزن الجسم كلما ازدادت مقاومته للتحريك بمعنى أن القوة اللازمة للتغلب على قوة الاحتكاك تزيد بزيادة وزن الجسم هذا هو المعنى الذي ورد في كلام ابن سينا وقد ضرب له مثلا تحريك الحجر شديد الثقل.