كايلاش ساتيارتي الهندي الفائز بجائزة نوبل للسلام عام 2014 مناصفة مع مالالا يوسفزاي، وفي أول تعليق مقال آخر نشر سابقا عن أحد أبطال هذا النضال في باكستان
Table of Contents
مركب الفقر والحرمان
في البلدان الفقيرة كثيفة التعداد، الحافلة بالعشوائيات نتيجة لسياسات التحديث المشوهة، يعيش كثير من السكان بمركب الفقر والقهر والحرمان، والذين يتغذى على فقرهم وقهرهم وحرمانهم مافيات وقبضايات من مصاصي دماء البشر، قوم منهم، من بني جلدتهم، من نفس بيئاتهم، ممكن حولتهم قسوة الحياة إلى ذئاب لمجتمعاتهم تماما كما فعل قارون: “إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم”.
الأطفال والقابلية للانقهار
في ظل هذه المنظومة، يبقى الأطفال من بين أكثر الفئات هشاشة، وضعفا، وقابلية للانقهار، وسلب الحقوق. ومن ثم ينهض البعض ممن عايش تلك الحالات أو عاشها، مناضلا في سبيل تحرير تلك الفئة غير القادرة على الدفاع عن نفسها بنفسها. ومن بين هؤلاء الناشط الهندي في مجال حقوق الطفل وتعليمه، والمناضل ضد عمالة الأطفال كايلاش ساتيارتي Kailash Satyarthi الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2014 مناصفة مع الباكستانية مالالا يوسفزاي.
مولد كايلاش ساتيارتي
ولد كايلاش ساتيارتي في مقاطعة فيديشا بولاية ماديابراديش الهندية عام 1954، وحصل على بكالوريوس الهندسة الكهربائية من معهد سامرات أشوك التكنولوجي في فيديشا، وعلى درجة دراسات عليا في هندسة الجهد العالي، ومن ثم انضم إلى كلية بوبال كمحاضر لعدة سنوات. وفي عام 1980 تخلى عن حياته المهنية كمهندس وتفرغ لمسيرته النضالية متعددة الجبهات، حيث أصبح أمينا عاما لجبهة تحرير عمال السخرة Bonded Labor Libration Front، وأسس في نفس الوقت حركة إنقاذ الطفولة، حيث أثمرت جهوده عن إنقاذ 80 ألف من الأطفال المستعبدين، ووضع نموذجا ناجحا لتعليمهم وإعادة تأهيليهم، حيث أسس ثلاثة مراكز تعليمية لإعادة تأهيل هؤلاء الأطفال لتحويلهم إلى قادة يساهمون في تحرير غيرهم. وقد تسببت له حملاته ضد عمالة الأطفال في أكثر من اعتداء بدني، كان آخرها الهجوم عليه هو وزملاء له أثناء عملهم على إنقاذ أطفال مستعبدين في محلات لبيع الملابس الجاهزة في دلهي عام 2011، وقبل ذلك وتحديدا عام 2004 تعرض وزملاؤه لهجوم وحشي بينما كان يقوم على إنقاذ الأطفال من براثن السيرك المحلي ومن مالك السيرك الروماني الكبير، كما تعرض مكتبه للنهب عدة مرات من قبل العناصر الاجتماعية المضادة لإثنائه عن العمل من أجل إنقاذ الأطفال المستعبدين في أوضاع السخرة.
المسيرة العلمية لـ كايلاش ساتيارتي
على المستوى الدولي، فقد كان كايلاش مهندس أكبر شبكة مجتمع مدني من أجل الأطفال الأكثر استغلالا، وهي المسيرة العالمية ضد عمالة الأطفال Global March Against Child Labor وكيانها الدولي لمناصرة القضية، المعروف باسم:
المركز الدولي حول عمل وتعليم الأطفال المعروف اختصارا بـ ICCLE وهو عبارة عن تحاف عالمي للمنظمات غير الحكومية ونقابات المعلمين والعمال.
كما أنه شغل منصب رئيس الحملة العالمية للتعليم منذ إنشائها عام 1999 وحتى عام 2011، وكان واحدا من مؤسسيه الأربعة جنبا إلى جنب مع آكشن إيد، وأوكسفام، وإديوكيشن إنترناشيونال، فضلا عن ذلك فقد أسس جودويف إنترناشيونال GoodWeave International كأول نظام طوعي لوسم ومراقبة وإصدار الشهادات للسجاد المصنوع دون استخدام عمالة الأطفال في جنوب آسيا، وقامت هذه المنظمة الأخيرة بحملة في أوروبا والولايات المتحدة في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات بقصد زيادة وعي المستهلكين بالقضايا المتعلقة بمساءلة الشركات العالمية فيما يتعلق بالاستهلاك والتجارة المسؤولين اجتماعيا.
كايلاش ساتيارتي والتعلم للجميع
كايلاش أيضا هو عضو في مجموعة رفيعة المستوى شكلتها اليونسكو تحت عنوان “التعليم للجميع”، تضم رؤساء، ورؤساء وزراء، ورؤساء وكالات تابعة للأمم المتحدة، وباعتباره أحد قادة المجتمع المدني النادرين فقد خاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومؤتمر العمل الدولي، ولجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، واليونسكو ودعي إلى عدة لجان استماع برلمانية في عدة دول، حيث قدم رؤيته كمفكر تحليلي، حول عمالة الأطفال كقضية حقوق إنسان، وليست مجرد قضية متعلقة بالرفاه، أو قضية خيرية، وأثبت أن عمالة الأطفال مسئولة عن إدامة الفقر والبطالة والأمية والانفجار السكاني والعديد من الشرور الاجتماعية الأخرى، كما لعب دورا هاما في ربط مكافحة عمالة الأطفال بالجهود الرامية إلى تحقيق “التعليم للجميع”.
كايلاش ساتيارتي والجوائز
من أجل هذا الجهد الوافر نال كايلاش العديد من الجوائز المحلية والدولية، وتناولته عدة وثائقيات وسلاسل تلفزيونية، وتحدث في عدة محافل دولية. وكما أشارت إنديا تايمز في سبتمبر 2017، فإن كايلاش هو واحد من 11 ناشطا في مجال حقوق الإنسان، ممن جعلوا مهمتهم في الحياة توفير الحياة الكريمة للآخرين.
كم من البؤس والقهر والحرمان الناتج عن الفقر، والذي يعيش فيه الملايين في جميع أنحاء العالم، ويحتاج إلى جهود عشرات الآلاف من البشر، وللأسف لم نجد في بلادنا العربية المنكوبة بالاستبداد، جهودا منتظمة ومركزة على تلك الفئات المهمشة والمقهورة، بقدر ما وجدناه في بلدان أخرى من العالم، رغم أن مشكلاتنا لا تقل عمقا واتساعا عن غيرنا ممن يبذلون الجهد، ولديهم الحرية لبذله.
د. مجدي سعيد