توصلت دراسة حديثة قام بها باحثون بريطانيون من مستشفى “بارتز آند رويال لندن” إلى اكتشاف قد يؤدي إلى انتهاج طرق جديدة لعلاج بطء النمو والتخلف العقلي والشيخوخة وتلف خلايا المخ ومرض “ألزهايمر”. حيث كشف الباحثون التغييرات الأولى التي تحدث للجنين وتؤدي به إلى الإصابة بمتلازمة “داون”، ووجدوا أن التغييرات الطارئة على الخلايا الجذعية لدى الجنين سببها وجود نسخة إضافية من “كروموسوم 21″، الذي يطلق –بدوره- سلسلة من التغييرات الوراثية في الجنين أثناء نموه.
وأشارت الدراسة التي نشرت في “دورية علم الوراثة البشرية الأمريكية” إلى أن هذه التغيرات الوراثية هي السبب الأول لمرض الأطفال حديثي الولادة، وتزداد نسبتها مع ارتفاع عمر المرأة عند الزواج، وقام الباحثون بدراسة خلايا الفئران الجذعية بعد تعديلها وراثيا لتحمل نسخة إضافية من “الكروموسوم البشري 21″، واكتشف الباحثون أن هذا الكروموسوم يعرقل عمل الموروثة “رست” بفعل العامل المورث “دي واي آر كيه 1 إيه” والموجود في “كروموسوم 21” الذي يطلق اضطرابات تعرقل عمل مورثات أخرى تنظم التطور الطبيعي للخلايا الجذعية في تكوين الجنين.
“متلازمة داون” اكتشفها الطبيب الإنجليزي جون داون عام 1865م، الذي قدم وصفا مفصلا للأطفال الذين يعانون من تلك المتلازمة، ومرض “متلازمة داونز” يشكل 25% من مجموع الأمراض الوراثية التي تنتج عن وجود خلل في الكروموسومات، واحتمال الإصابة بالمرض هي من 1 إلى 700 طفل، ويزيد احتمال إصابة المولود بالمرض حينما يزيد عمر الأم عن 40 عاما حيث تكون الإصابة بواقع 1 من كل 100 مولود, بل إن واحدة من كل 140 امرأة بعد سن الأربعين قد تحمل جنينا مصابا بالمرض، وتعتبر “متلازمة داون” من أكثر أمراض الإعاقة انتشارا في العالم.
وتشير إحصائيات “الجمعية الأمريكية الوطنية لمتلازمة داون”، إلى أن هناك أكثر من 250 ألف شخص في الولايات المتحدة وحدها متأثّرون من هذا المرض، فكل خلية بشرية يوجد بها 23 زوجا من الكروموسومات، أي 46 صبغة، وتنتج “متلازمة داون” من وجود 3 كرموسومات للصبغة رقم 21 (داون) بدلاً من 2 (الطبيعي) وتسمى علمياً بثلاثية 21، أي أن “متلازمة داون” تنشأ نتيجة وجود 3 نسخ من كروموسوم 21 بدلاً من نسختين، بما يعني زيادة في عدد المورثات الصبغية عند الشخص المصاب، بحيث يكون إجمالي المورثات الصبغية لدى الشخص 47 مورثا، بينما يكون العدد الطبيعي للشخص العادي هو 46 مورثا فقط.
وهناك ثلاثة أنواع “لمتلازمة داون” أولهم (التثلث الحادي والعشرين) وفيها يتكرر الموروث الصبغي 21 ثلاث مرات بدلا من مرتين في كل خلية جاعلا عدد الصبغيات 47 بدلا من 46، وهذا هو النوع الغالب الذي يصيب 95% من حالات متلازمة داون، والنوع الثاني هو (الانتقال الصبغي) وفيها ينفصل الصبغي 21 ويلتصق بصبغي آخر، ويصيب هذا النوع 4% من حالات المتلازمة، أما النوع الأخير فيسمى (الفسيفسائي) وفي هذا النوع الذي يشكل 1% من الحالات، وفيه يوجد نوعان من الخلايا في جسم الشخص المصاب، بعضها تحوي العدد الطبيعي من الصبغيات أي 46 ، وبعضها الآخر يحوي 47 صبغيا.
وتشير د. هدى قطان (استشاري طب الأطفال بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث) إلى أن احتمال أن تتكرر إصابة طفلين في أسرة واحدة بمتلازمة داون تعتمد -بالدرجة الأولى- على نتيجة تحليل الكروموسومات للطفل المصاب، فإذا أظهر تحليل كروموسومات أنه من نوع كروموسوم 21 الثلاثي، فإن احتمال أن يصاب طفل آخر في الحمل المقبل 1% فقط، وتزيد هذه النسبة إذا كان عمر الأم يزيد على 40 عاما إلى 2%، ولو أظهر تحليل كروموسومات الطفل الذي لدية متلازمة داون أنه من النوع الفسيفسائي أو متعدد الخلايا فإن نسبة تكرار الإصابة في الحمل القادم نفس احتمالات النوع الأول أي 1% تقريبا.
وفي حالة ما أظهر التحليل أنه من نوع الناتج عن تلاصق وانتقال الكروموسومات، فإن احتمال أن يتكرر المرض يعتمد على نتيجة تحليل دم الأبوين. فإذا كان تحليلهما سليما، فإن احتمال أن يولد طفل آخر لدية متلازمة داون في الحمل القادم تقريبا 1%، أما إذا كانت نتيجة تحليل الأم سليم والأب حامل لكروموسوم مركب أو ملتصق مع كروموسوم غير 21، فقد يصاب طفل آخر في الحمل القادم بنسبة 2-3%، وفي حالة إذا كانت الأم هي الحاملة لكروموسوم المركب أو الملتصق مع كرومسوم غير 21 فإن احتمال أن يصاب طفل أخر في الحمل القادم هو 10-15%.
توضح “الجمعية الأمريكية لمتلازمة داون” أن هناك عددا من المميزات الجسمية شائعة بين أطفال المتلازمة تظهر بدرجات متفاوتة،من بينها أن العضلات تكون مرتخية، وتكون المفاصل ذات ليونة كبيرة، أما فيما يخص سمات الوجه فيكون الأنف صغيرا ومسطحا، والعين تميل للاتجاه إلى أعلى، كما تكون الأذنان صغيرتا الحجم، ويكون اللسان كبير وضخم بالنسبة إلى حجم الفمّ، ويكون الرأس برمته صغيرا، كما يكون أطفال داون قصار القامة، غير أن أطفال متلازمة داون معرضون للتأثّر بالعدوى بسهولة عن غيرهم، وللإصابة بالمشاكل التنفسية، واضطرابات القنوات الهضميّة، وأيضا حدوث “لوكيميا” الطفولة.
وقد تسبب “متلازمة داون” تشوهات خلقية وتخلفا عقليا وتزيد من نسبة الإصابة ببعض الأمراض كتشوهات القلب الخلقية مثل الفتحات بين الأذينين أو بين البطينين، وانسداد في الأمعاء، وزيادة نسبة الإصابة بسرطان الدم، وفقدان السمع, وهبوط عمل الغدة الدرقية، وهي تصيب ما يربو على 50% من أطفال “متلازمة داون”، وتحدث في الأسابيع الأولى من الحمل.
أما عن التشخيص فقد تمكن الطب الحديث من تشخيص المرض أثناء الحمل وذلك من خلال فحص صبغة الجنين الوراثية، ومن أكثر الطرق انتشارا بالنسبة للتشخيص فحص “السائل الأمينوسي” الذي يحيط بالجنين في الرحم، وفحص الغشاء المشيمي، ويتم الفحص بواسطة الأشعة فوق الصوتية.
ويؤكد المتخصصون أن “لأطفال متلازمة داون” يأخذ وقتا أطول لاكتساب المهارات مقارنه بأقرانهم، كما أنهم لا يكتسبون كل المهارات التي يمكن أن يكتسبها من هم في مثل سنهم، ولكن يمكن تقليل من هذه الفروق بالتدخل المبكر وتدريب الطفل لاكتساب المهارات المختلفة، فبعض الأبحاث أكدت أن بعض أطفال المتلازمة يكتسبون المهارات بشكل أسرع إذا قدم لهم التدريب والتعليم في وقت مبكر.
ويقدم المتخصصون للأم بعض الطرق لتشجيع نمو “طفل متلازمة داون”، ويؤكدون أن لمس الطفل وحضنه، والابتسام في وجهه تعطيه المزيد من المحبة، وينصحون الأم كذلك بالتحدث مع الطفل، وذلك لأن الأطفال في كل الأعمار يحبون أن تغني لهم أمهاتهم، ويحبون أن تروى لهم القصص والحكايات، فهم أوّل يسمعون الكلمات قبل أن ينطقوا بها، كما أن اللعب مع الأطفال يشجعهم على اكتشاف الأشياء المختلفة، والألعاب التخيلية تنمي تفكيرهم، كما أن الأطفال الصغار يستمتعون بالنّظر إلى الصّور في الكتب والمجلات، وتفيد التجارب الاجتماعية في أن يصبح الطفل أقل انعزالا عن محيطه الاجتماعية، وخاصة إذا لم يكن قد التحق بالحضانة أو الروضة عند السنة الثانية من عمره، ويحذر المتخصصون الآباء والأمهات من المبالغة في التعليم العلمي كبرامج الكمبيوتر المعقدة لتنميه مهاراتّ الأطفال الصّغار، لأن هذا الأسلوب قد يضّغط على الطفل من الناحية النفسية يؤدي إلى خسارة اهتمام الطفل بالتعلم والمعرفة.
من جهة أخرى ينصح المتخصصون الآباء بضرورة المتابعة الدورية “لطفل متلازمة داون” كي يتم تجنب إصابتهم بمشاكل صحية أكبر، وذلك عن طريق متابعة الأطباء دوريا لملاحظة عمل الغدة الدرقية بصفة دورية، وقياس السمع والنظر بشكل دوري، وعمل أشعة لفقرات العنق وتخطيط للقلب وأشعة صوتية، لفحص عمل الجهاز الهضمي.
خالد موسى