- كره الدارسة بشدة.. وأرسل خطابًا إلى مدير المدرسة قال له فيه “كم أنت مثيرٌ للاشمئزاز يا سيدي”
- كان يستيقظ في الرابعة صباحا ليقوم بتوزيع الصحف اليومية حتى يحين موعد المدرسة
- الفأر “ميكي” صار أشهر من مخترعه.. وحاز به ديزني من “عصبة الأمم” لقب “سفير نوايا حسنة”
- نال 26 جائزة “أوسكار” وهو أكبر عدد من الجوائز يحصل عليها أي فنان في تاريخ السينما
- الطفل الفقير حققت شركته بعد وفاته ما يزيد عن 25 مليار دولار من العائدات
- ديزني: كل أحلامنا يمكن أن تتحقق إذا ما امتلكنا من الشجاعة ما يكفي لـ”مطاردتها”!
“إن فعل المستحيل هو أول أحد دورب النجاح”.
هذه العبارة للفنان العالمي الراحل والت ديزني، رائد أفلام الرسوم المتحركة الأشهر في العالم، هي “سر نجاح” الذي هذا الرجل الذي ترك المدرسة مبكرا، وتحول من بائع صحف صاحب لقب “صانع البهجة”.
وذات يوم سُئل ديزني في مقابلة مع قناة تليفزيونية أمريكية: أي الشخصيات الكرتونية التي ابتكرها أقرب إلى قلبه؟، فأجاب دون تردد: “إنه ميكى ماوس بأذنيه السوداوين الكبيرتين، وآمل ألا ننسى أبداً أمراً واحداً، وهو أن كل هذا النجاح وراءه فأر”!
والغريب أن ديزني كان يكره الدارسة المنتظمة بشدة، إلى حد أنه أرسل خطابًا الى مدير المدرسة الثانوية قال له فيها: “كم أنت مثيرٌ للاشمئزاز يا سيدي”.
بائع الصحف الصغير
وُلد والتر إلياس ديزني الذي اشتهر فيما بعد باسم “والت ديزني” في 5 ديسمبر 1901 بمدينة شيكاغو، وانتقلت الأسرة إلى مدينة “كانساس سيتي” عام 1911، حيث انضم مع أخيه “روث” إلى مدرسة “بنتون جرامار” بالقرب من منزلهما الجديد، وكان ديزني قد انتهى من الصف الثاني في مارسيلين، وتخرج فيها في 8 يونيو 1911.
وفي المدرسة، التقى “والت” مع والتر فايفر، وهو ابن عائلة كانت تهوى المسرح، وقدم “فايفر” زميله إلى عالم الاستعراض المسرحي والصور المتحركة، حيث كانا يحضران معا دورات لدراسة الفن في “معهد كانساس سيتي للفنون”.
بدأ “والت” العمل في صباه المبكر بائع صحف لحساب صحيفة “نجمة كانساس”، والذي يُعد عملاً شاقاً يتطلب الاستيقاظ حتى منتصف الليل، حيث كان يقوم في الصباح بمهمة توصيل الصحيفة إلى حوالي 700 مشترك، بينما في المساء يقوم بتوزيع “صنداي ستار” لأكثر من 600 عميل آخرين.
وكان “والت” يستيقظ في الرابعة صباحا، ويقوم بتوزيع الجرائد اليومية حتى يحين موعد المدرسة، ومن ثم يستأنف العمل مجددا في الرابعة مساء وحتى وقت العشاء. وقد كلفه هذا الأمر كثيراً، فلم يكن طالباً مجتهداً بسبب عمله في توزيع الصحف اليومية، ووجد أن العمل يستنفد جهده، ويجعله يواجه صعوبة في التركيز، فكان يحصل على “درجات ضعيفة” بسبب نومه في الصف، وكان عرضةً أيضاً لأحلام اليقظة، وكان يفضل قضاء وقته أثناء اليوم الدراسي في رسم “الخربشات”!
وحين بلغ الخامسة عشر، حصل ديزني على عمل خلال الصيف في مجال بيع الجرائد والدمى للمسافرين عبر خط السكك الحديدية، وكان يهتم كثيراً بالقطارات أكثر من العمل نفسه فلم يحقق فيه نجاحاً كبيراً، فعمل رساماً للكاريكاتير في صحيفة محلية صغيرة وتميزت رسوماته الهزلية بالطابع الوطني السياسي، وتركزت على أحداث الحرب العالمية الأولى.
وفي عام 1918، أراد ديزني أن يسير على خطى أخيه روي، والذي تم تجنيده في القوات البحرية، فترك المدرسة ليلتحق بالجيش، ولكن لم يتم قبوله نظراً لحداثة سنه.
وعلم ديزني أن هيئة “الصليب الأحمر” تقبل الشباب من ذوي السابعة عشرة عاماً، فعمد إلى تزوير شهادة ميلاده ليبدو كما لو أنه وُلِد عام 1900 بدلاً من 1901. وتم قبوله، ولكنه لم يشارك قط في أعمال القتال، وحين أنهى تدريبه وانتقل إلى أوروبا، وقعت ألمانيا على الهدنة وانتهت الحرب في أواخر 1918.
أمضى ديزني وقته بعد نهاية الحرب كسائق إسعاف لحساب “الصليب الأحمر” في فرنسا، وانتقل بعد ذلك إلى الضباط، وكان يتسلى بملء سيارة الإسعاف برسوماته، وفي عام 1919، طلب إعفاءه من مهامه العسكرية وعاد مرة أخرى إلى الولايات المتحدة.
الفنان العاطل
بعد عودته من أوروبا بوقت قصير، حصل ديزني على وظيفة صغيرة في أستوديو للتصوير الفوتوغرافي والتصميمات بمدينة “كانساس”، حيث تخصص في تصميم إعلانات للصحف والمجلات ودور السينما.
وفي عام 1920، أنشأ ديزني وصديق له يدعى أب أيوركس، شركة صغيرة تحت اسم “أيوركس- ديزني” لتجارة الأعمال الفنية، ولكنهما لم يحصلا على الكثير من العملاء، فاضطرا في النهاية إلى إغلاق الشركة، وعاد ديزني إلى حياة التعطل.
وعمل الرجل، بعد ذلك، في مجال الإعلانات المعتمدة على تقنيات الرسوم المتحركة البدائية لدور السينما المحلية، وقضى أياماً عديدة في مكتبة “كانساس” العامة يتصفح كتب التشريح والميكانيكا التي ستصبح فيما بعد بمثابة أساس لفتح جديد في مجال رسوم التحريك السينمائي المتطورة.
أسس ديزني في عام 1922، مع صديق آخر يدعى فريد هارمان شركة متخصصة في صناعة أفلام الرسوم المتحركة القصيرة المبنية على القصص الخيالية المشهورة للأطفال مثل “سندريلا” و”أليس في بلاد العجائب” وغيرها.
وهكذا أصبح ديزني بمرور الوقت وتراكم الأعمال السينمائية الشخصية المحورية في تاريخ سينما الرسوم المتحركة للأطفال، كما صار أيقونة ثقافية في هذا المجال، بفضل مساهماته المهمة في صناعة الترفيه خلال القرن العشرين.
وبعد النجاح الذي حققه، أسس “والت” مع أخيه روي ديزني شركة “والت ديزني” باعتبارهما قطبي ريادة الأعمال في مدينة السينما الأمريكية “هوليوود”، والتي تحولت فيما بعد إلى شركة الإنتاج الأكثر شهرةً في مجال الرسوم المتحركة، وتُعد بالوقت الحالي الشركة الأكبر في مجال وسائل الإعلام والترفيه بالعالم، وتُقدر بعائدات سنوية تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات.
وذاع صيت ديزني بوصفه منتجاً سينمائياً، مبتكراً في مجال الرسوم المتحركة، ومصمماً للحدائق والمتنزهات وأيضاً كرجل استعراض شعبي. بجانب فريق عمله، ابتكر شخصيات كارتونية شهيرة، وخاصةً “ميكي ماوس”، الذي صار أشهر من مخترعه!
ظهر “ميكي ماوس” وصديقته الفأرة “ميني” للمرة الأولى في فيلم الرسوم المتحركة الصامت القصير “الطائرة المجنونة” وذلك في مايو “آيار” عام 1928م، لكن “ميكي” فشل في إستقطاب إنتباه روّاد السينما ومخيلتهم، فحرمه الصمت من الاحتفاء الجماهيري، قبل أن تضاف له المؤثرات الصوتية لاحقاً عام 1929م.
وحقق الفأر الصغير نجاحاً مبهراً بعد إصدار فيلمه القصير هذا، في مدينة نيويورك بالثامن عشر من نوفمبر لعام 1928م، والذي لم تتعدى مدته 8 دقائق، واعتمد نجاحه بشكل كبير على الثنائي «ميكي وميني»، والمؤثرات الصوتية التى استخدمت لأول مرة في فيلم قصير للأطفال.
ومع ظهور الأفلام الناطقة، بدأت صالات السينما تركّب معدات صوتية، وقرر ديزني وضع خطة ناجحة في هذه التقنية الجديدة، فاستثمر كل ما لديه في الظهور الثالث للفأر ميكي في فيلم قصير من الرسوم المتحركة اسمه “الباخرة ويلي” وكان فيلم الرسوم المتحركة الأول الذي يستعمل الصوت المتزامن في شكل تام.
ظلت شخصية “ميكي” في البداية صامتة لعدة سنوات، إلى أن بدأت في التكلم، وكان الصوت في البداية هو صوت ديزني نفسه والذى قام بأداء صوت الفأر للمرة الأولى في عام 1929م.
وفي العام نفسه، 1929م أسس ديزني “نادي ميكي ماوس للمعجبين الشبان”، ولعب الفأر الظريف دور البطولة في أكثر من 120 فيلماً للرسوم المتحركة، واستحق جائزة أوسكار مميزة لمبتكره في العام 1932.
عندما أنتج ديزني فيلم الرسوم المتحركة “الخنازير الثلاثة” شن اليهود المسيطرون على هوليود ضده حملة شعواء، لأن الفيلم حوى مشهدًا يتنكر فيه الذئب الشرير في هيئة بائع يهودي لكي يخدع الخنازير الصغيرة الطيبة ويقنعها بأن تسمح له بالدخول إلى بيتها، فتآمروا مع المستشار المالي لـ”بنك أوف أمريكا” لإغراء ديزني بالحصول على قروض ضخمة من البنك، وضيقوا عليه في توزيع إنتاجه، إذ كانوا يتحكمون في سوق الأفلام الأمريكي، فعجز ديزني عن سداد ديونه.
وخلال مسيرته المهنية الطويلة والناجحة، نال ديزني 26 جائزة “أوسكار” من 59 جائزة ترشح لها خلال حياته، وهو أكبر عدد من جوائز “الأوسكار” يحصل عليها أي فنان في تاريخ السينما العالمية، ومنح اسمه لكل من “ديزني لاند وديزني لاند فلوريدا وديزني لاند هونغ كونغ وباريس ديزني لاند ومنتجع طوكيو ديزني ومنتجع ديزني لاند شنغهاي”.
وأدى ديزني شخصية “ميكي ماوس” بصوته حتى عام 1947، حيث حققت تلك الشخصية نجاحا كبيرا جعل هيئة “عصبة الأمم” تمنحه عام 1935 ميدالية ذهبية، كما منحته لقبا دوليا باعتباره “سفيرا للنوايا الحسنة”.
وتميز عالم ديزني الساحر بشخصيات عديدة، كان لكل شخصية منها طابعها الخاص الذي تتميز به، كما عبرت كل شخصية عن بعض الصفات التي يتصف بها البشر بين خفة الظل، والبخل، وسوء الحظ، والمكر، والكرم. كما استطاعت هذه الشخصيات أن تقدم مادة ترفيهية تعليمية شيقة للأطفال على مستوى العالم.
ومن أقوال ديزني التي تعبّر بجلاء عن خلاصة تجربته وحكمته في الحياة: إن “كل أحلامنا يمكن أن تتحقق إذا ما امتلكنا من الشجاعة ما يكفي لمطاردتها”!
ولم يقل ديزني يومًا في حياته إنه يروج لأفكار أو معتقدات أو أنه يعلم أحدًا، بل كان يدعي على الدوام أنه يقدم “التسلية” ولا شيء غيرها.
وفي 15 ديسمبر 1966، توفي والت ديزني جراء إصابته بمرض سرطان الرئة، حيث كان الرجل طوال حياته مدخنا شرها، وكتب ديزني وهو على فراش على قطعة ورق بها اسم ممثل شاب وقتها يُدعى كير راسل، وحتى الآن لم يعرف أحد سبب الواقعة، والتي ظلّت مبهمة حتى للممثل نفسه؛ حيث كان طفلاً يعمل في استوديو “ديزني” ولم يجنِ أي شهرة، وهو ما فسره البعض بأن الممثل الشاب قد يكون ابنا غير معترف به للراحل الكبير.
وبحلول عام 2002، نمت شركة “والت ديزني” ليصبح لديها 112 ألف موظف وما يزيد عن 25 مليار دولار من العائدات، وبالإضافة إلى حدائق “ديزني لاند” المنتشرة حول العالم، فقد منحت الشركة اسمها التجاري عبر قنوات تسلية مختلفة بما فيها قناة ديزني تلفزيونية، وإذاعة ديزني، وشرطة ديزني للإنتاج المسرحي، ومخازن ديزني، وخط ديزني للرحلات البحرية ومجموعة ديزني للإنترنت وغيرها من المؤسسات العالمية.
وتقف مؤسسات “ديزني لاند” حول العالم الآن على رأس ما أسماه المفكر الأمريكي جوزيف ناي “القوة الناعمة” التي تستخدمها الولايات المتحدة في السيطرة على عقول العالم، فإذا كان الإعلام الأمريكي يمثل العمود الفقري لتلك القوة اللينة فإن ديزني هي “المشتل الأول” الذي تبدأ فيه تلك القوة عملها الجبار في عقول الناشئة من مختلف الملل والثقافات.