
يُعتبر أبقراط (Hippocrates) أحد أعظم الشخصيات في تاريخ الطب، بل ويُلقَّب بـ “أبو الطب” نظرًا لإسهاماته الرائدة في نقل الممارسة الطبية من دائرة الخرافة والسحر إلى مجال العلم والعقل. عاش أبقراط في القرن الخامس قبل الميلاد في جزيرة كوس اليونانية، وترك إرثًا علميًا خالداً عبر مؤلفاته وأفكاره التي لا تزال تُدرَّس حتى اليوم في كليات الطب حول العالم.
Table of Contents
من هو أبقراط؟
وُلد أبقراط حوالي عام 460 قبل الميلاد في أسرة لها باع طويل في ممارسة الطب. كان والده طبيبًا، مما جعله يتلقى تعليمه الأولي في الطب منذ طفولته. بعد ذلك درس الفلسفة والعلوم، وتأثر بأفكار الفلاسفة اليونانيين مثل سقراط وأفلاطون.
اشتهر أبقراط بكونه طبيبًا جوالًا، إذ كان يسافر من مدينة إلى أخرى يعالج المرضى وينشر علمه. هذا التجوال ساعده على تكوين مدرسة طبية راسخة قائمة على الملاحظة الدقيقة والتجربة العملية.
مدرسة أبقراط الطبية
أسس أبقراط مدرسة طبية في جزيرة كوس، كانت بمثابة أول مؤسسة تعليمية في التاريخ تُعنى بدراسة الطب بشكل علمي. اعتمدت هذه المدرسة على:
-
الملاحظة السريرية: مراقبة أعراض المرضى وتدوينها بدقة.
-
التجربة العملية: الاعتماد على التشخيص والعلاج المستند إلى التجربة.
-
رفض السحر والخرافة: إذ اعتبر أن الأمراض لها أسباب طبيعية وليست عقابًا إلهيًا.
-
النظام الغذائي ونمط الحياة: كعوامل أساسية في الوقاية والعلاج.
كتابات أبقراط ومؤلفاته
ترك أبقراط إرثًا أدبيًا وعلميًا يُعرف باسم “المجموعة الأبقراطية” (Hippocratic Corpus)، والتي تضم حوالي 70 كتابًا تغطي موضوعات متنوعة، مثل:
-
التشخيص الطبي.
-
الأمراض الحادة والمزمنة.
-
علم التشريح ووظائف الأعضاء.
-
قواعد الأخلاقيات الطبية.
تُعد هذه المجموعة من أقدم المؤلفات الطبية التي وصلت إلينا، وتشكل مرجعًا مهمًا في دراسة تطور الطب عبر العصور.
أساس أخلاقيات الطب
من أبرز ما ارتبط باسم أبقراط هو قسم أبقراط، الذي لا يزال حتى يومنا هذا يُعتبر حجر الأساس في الأخلاقيات الطبية. ينص القسم على التزام الطبيب بـ:
-
عدم إلحاق الضرر بالمريض.
-
الحفاظ على سرية المعلومات الطبية.
-
احترام مهنة الطب والابتعاد عن الممارسات غير الأخلاقية.
حتى في العصر الحديث، يؤدي العديد من خريجي كليات الطب حول العالم نسخة مطوّرة من هذا القسم، ما يعكس عمق تأثيره في القيم الطبية.
نظرية الأخلاط الأربعة
أحد أهم إسهاماته النظرية هي “نظرية الأخلاط الأربعة“، التي كانت أساس الطب الغربي لعدة قرون. وتنص هذه النظرية على أن جسم الإنسان يتكون من أربعة أخلاط رئيسية:
-
الدم.
-
البلغم.
-
الصفراء الصفراء.
-
الصفراء السوداء.
ورأى أن توازن هذه الأخلاط يضمن الصحة، بينما يؤدي اختلالها إلى المرض. ورغم أن هذه النظرية لم تعد صحيحة في الطب الحديث، فإنها كانت خطوة مهمة نحو تفسير الأمراض بشكل طبيعي بعيدًا عن الأساطير.
أبقراط والحضارة الإسلامية
انتقلت أعماله إلى العالم الإسلامي في العصر العباسي عبر بيت الحكمة في بغداد. وقد قام علماء مثل حنين بن إسحاق بترجمة مؤلفاته إلى اللغة العربية.
-
استفاد أطباء مسلمين مثل ابن سينا والرازي من أفكاره، وأضافوا إليها شروحًا وتطبيقات عملية.
-
ظل تأثيره حاضرًا في كتب الطب الإسلامي لقرون طويلة، وكان أساسًا لتطور العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية.
إرثه في أوروبا والعالم
مع بداية عصر النهضة، أعيد اكتشاف مؤلفاته في أوروبا، وأصبح يُدرّس في الجامعات الطبية. وحتى اليوم، تُعتبر مدرسته الطبية مصدر إلهام، خاصةً فيما يتعلق بأهمية الملاحظة السريرية والتشخيص العلمي.
تأثيره في الطب الحديث
رغم مرور أكثر من 2400 عام على وفاته حوالي 370 قبل الميلاد، إلا أن أفكاره ا تزال تؤثر في الطب الحديث:
-
الاعتماد على التشخيص السريري.
-
الاهتمام بالوقاية قبل العلاج.
-
التركيز على أخلاقيات المهنة.
كل ذلك جعله ليس مجرد طبيب قديم، بل رمزًا خالدًا للطب الإنساني المبني على الرحمة والعلم.
خاتمة
إن أبقراط لم يكن مجرد طبيب يوناني عاش في العصور القديمة، بل كان مؤسسًا حقيقيًا لعلم الطب كما نعرفه اليوم. بفضل منهجه العلمي وابتعاده عن الخرافة، وضع الأسس الأولى لفهم الأمراض وتشخيصها وعلاجها. وإلى يومنا هذا، يُذكر اسمه في كل قَسم يؤديه الأطباء الجدد، كرمز خالد لمهنة تقوم على العلم والإنسانية معًا.