أظهرت دراسة أجريت في جامعة ولاية “إنديانا” الأمريكية أن البدانة والسمنة المفرطة بين الأطفال قد تضاعفت أربع مرات من دون 5 % خلال فترة الثمانينات إلى 16% في الوقت الراهن، وهي أعلى مستوى العالم. وقالت “جمعية أمراض القلب الأمريكية” في بيان لها إن ظاهرة بدانة الأطفال بدأت تمثل تهديداً على الصحة العامة، ما قد يطيح بالمكاسب العلمية التي تحققت في مجال خفض أمراض القلب والسكري على مدى نصف قرن.
ويؤكد البروفيسور “ستيفن دانيالز” – أستاذ طب الأطفال والعلوم البيئة بمستشفى سينسيناتي للأطفال بالولايات المتحدة- أن الطفولة هي الفترة التي يكون فيها الأطفال أكثر عرضة لاكتساب المزيد من الوزن، مشيرا إلى أن سن الطفولة ما بين ثلاثة إلى أربعة أعوام هي الفترة التي يطور فيها الأطفال نظام حمية غذائية مشابهة للبالغين، وأنشطة بدنية قد تكون للأحسن أو الأسوأ.
وطالب البحث الذي قدمه د . “دانيالز” بضرورة استهلاك الأطفال – بعد سن الثانية – لخمسة أنواع من الفواكه والخضروات يومياً بجانب الحبوب الغنية بالألياف ومنتجات الألبان بمعدل واحد في المائة، مشددا على ضرورة قيام الأطفال بألعاب تتطلب جهداً بدنياً لمدة ساعة على الأقل والحد من ساعات الخمول، ويأمل الأطباء الأمريكيون في أن تساعد ألعاب الفيديو في مكافحة الظاهرة.
يعتبر مرض السكري من أشد الأمراض فتكاً بالإنسان على المدى الطويل، لما يصاحبه من مضاعفات خطيرة تصيب أعضاء الجسم المختلفة، ما يجعل محاولة الوقاية منه وعلاجه من أهم الأهداف لأي خطط صحية يراد لها النجاح في القضاء على مخاطر هذا المرض العضال.
وينقسم المرض – حسب توصيف “رابطة الجمعية الأمريكية لداء السكري” – إلى نوعين، الأول هو السكري الذي يصيب الأطفال ويعتمد اعتماداً كلياً على الأنسولين في العلاج، بينما الثاني هو الذي يصيب الكبار ويكون في العادة مكتسباً بسبب داء السمنة والذي لا يعتمد اعتماداً كلياً في علاجه على الأنسولين.
ولكن النوع الثاني أصبح الآن يصيب الصبية في عمر 15 إلى 16 عاماً، على عكس ما كان في الأعوام العشر الماضية، حيث كانت أغلب حالات مرض السكري عند الأطفال من النوع الأول، ولكن في الآونة الأخيرة صار نحو 30 إلى 40 % من هذه الحالات لدى الأطفال، من النوع الثاني، وذلك بسبب ازدياد معدلات السمنة عند الأطفال في هذا العمر على المستوى العالمي.
وأكد الخبير الطبي “يوسف بوعباس” – رئيس رابطة السمنة بالجمعية الطبية الكويتية واستشاري الغدد الصماء – أن إمكانية الوقاية من مرض السكري ممكنة بنسبة 60 % عبر تخفيض وزن الجسم وممارسة الرياضة بحدود نصف ساعة يوميا، مشيراً إلى خطورة مرض السكري الذي أصبح من أكثر الأمراض انتشارا في العالم بما فيه منطقة الخليج والكويت كواحدة من أكثر الدول التي ينتشر فيها هذا المرض حتى أصبح بمثابة “وباء” ينتشر بزيادة عاما بعد عام.
وتشير الإحصائيات إلى أن مرض السكري ينتشر في دولة الكويت بنسبة تتراوح ما بين 15 إلى 20 % مما يجعلها من أعلى الدول المصابة بداء السكري إقليميا وعالميا.
ويرى “بوعباس” أن أكبر دراسة في هذا المجال أطلّع عليها، بينت أنه بالإمكان الحد من مرض السكري بنسبة 60 %؛ إذا ما تم تخفيض الوزن بحدود سبعة كيلوغرامات كحد أدني، إضافة إلى ممارسة الرياضة بحدود نصف ساعة يوميا من المشي بحركة سريعة.
ومن جانبها، نوهت الدكتورة ” منيرة العروج” – استشارية أمراض السكري في المستشفى الأميري بالكويت ورئيسة رابطة السكري – إلى أن هناك نحو 200 مليون مريض مصابون بالسكري في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى نحو 330 مليون بحلول عام 2025م ، موضحة أن 80% من المصابين بالنوع الثاني من السكري يعانون من السمنة، مشيرة إلى أنه من بين نحو مليار شخص يعانون من زيادة الوزن حاليًا، هناك 300 مليون شخص يعانون من السمنة.
أثبتت الدراسات أنه بالإمكان منع الإصابة بمرض السكري، وذلك عبر محاربة السمنة بواسطة تغيير الأنماط المعيشية الخاطئة، لاسيما التغذية السليمة وتشجيع زيادة النشاط البدني، حيث يعد البدانة والسمنة من العوامل المساعدة على الإصابة بالسكري، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل قلة الحركة والتاريخ العائلي ونسبة الدهون العالية في الجسم والوجبات السريعة.
وفي بريطانيا وجه خبراء الصحة العامة والأطباء تحذيرات من احتمال تفشي داء السكري بين شباب الجيل الحالي من ذوي الأوزان الزائدة والقليلي النشاط، مشيرين إلى أن تناول الوجبات السريعة، والجلوس لفترات طويلة أمام التلفزيون وأجهزة الكمبيوتر والابتعاد عن ممارسة التمرينات الرياضية يتسبب في زيادة حالات الإصابة بالسمنة التي تؤدي بدورها إلى رفع مخاطر الإصابة بالسكري عند الأطفال، وهو ما دفع بعض الناشطين إلى تكوين رابطة “بريطانيون ضد البدانة”!
ويلعب الآباء دورا مهما في تحديد نسبة الزيادة في وزن أطفالهم، بجانب الحالة المزاجية للطفل نفسه، وحسب بحث أمريكي نشر في دورية “طب الأطفال”، فإن الأطفال الذين ولدوا لآباء يعانون من زيادة الوزن هم الأكثر عرضة لزيادة الوزن.
وحدد الباحثون عدداً من العوامل التي تجعل الطفل يعاني من زيادة الوزن، وكان أهم هذه العوامل هو زيادة وزن الآباء، حيث وجد الباحثون أن 64 % من الأطفال أصحاب الوزن الزائد ولدوا لآباء وأمهات يعانون من المشكلة نفسها، مقارنة بـ 16 % ممن ولدوا لآباء وأمهات يتمتعون بوزن طبيعي.
وحالة الطفل المزاجية تلعب أيضا دورا في زيادة الوزن، حيث قال الباحثون إن الأطفال الذي يغضبون بسبب الطعام هم أكثر عرضة لزيادة الوزن، وتوصلت الدراسة إلى أن قلق الآباء من زيادة وزن أبنائهم يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالبدانة، وأشار البحث إلى أن السبب في ذلك يرجع إلى محاولات الآباء التحكم في عادات تناول أطفالهم للطعام بشكل زائد ومنعهم من تعلم عادات الأكل الصحية.
ويشكل النوم سببا آخر لزيادة الوزن، حيث توصلت دراسة بريطانية إلى أن الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن ينامون نحو 30 دقيقة أقل من غيرهم، وأرجع الباحثون ذلك إلى افتقادهم إلى الطاقة اللازمة لحرق السعرات الحرارية.
وكشفت الدراسة عن أدلة تؤكد أن الرضاعة الطبيعية تحمي الطفل من زيادة الوزن، وذلك بعد أن أكدت دراسات سابقة وجود علاقة بينهما، وقال الباحثون إنه يمكن تفادي العديد من الآثار السلبية لزيادة الوزن عن طريق تعليم الآباء والأبناء كيفية التخلص من الوزن الزائد.
ومن ناحية أخرى رجح بحث طبي حديث وجود العلاقة بين ولادة الأمهات في سن متقدم وتعرض الوليد إلى مخاطر مرض السكري أكثر من أقرانه المولودين لأمهات أصغر سنا، حيث أكد بحث أجرته مستشفى “ساوثميد” بجامعة “بريستول” البريطانية أن أعمار الأمهات ترتبط ارتباطا قويا بمخاطر إصابة الطفل الوليد لنوع من السكري الذي يصيب الصغار قبل بلوغهم الخامسة عشرة.
وقدر العلماء نسبة زيادة المخاطر بنحو 25 % لكل خمسة أعوام من عمر الأم، وهو ما يعني أن المرأة في عمر 45 عاما تكون عرضة لإنجاب طفل مصاب بالسكري بمعدل ثلاثة أضعاف مقارنة بأم عمرها 20 عاما، وأظهرت الدراسة أن تقدم عمر الأب أيضا مرتبط طرديا، وإن كان بدرجة اقل، بظهور المرض عند هؤلاء المواليد، حيث بينت الدراسة أن الطفل الثاني يكون أقل عرضة لمخاطر “سكري الأطفال” من الشقيق أو الشقيقة الأولى.
صلاح عبد الصبور