
يُعتبر جون دالتون (John Dalton) أحد أعظم العلماء البريطانيين الذين غيّروا مسار الكيمياء والفيزياء في القرن التاسع عشر. فقد وضع أسس النظرية الذرية الحديثة، وكان أول من اقترح أن لكل عنصر وزنًا ذريًا نسبيًا ثابتًا يميّزه عن غيره. بفضل دالتون، تحوّل علم الكيمياء من مجرد تجميع للملاحظات والتجارب إلى علم قائم على القوانين والقياسات الدقيقة، مما مهد الطريق لتطور الجدول الدوري وفهم البنية الذرية للمادة.
Table of Contents
النشأة والبدايات
وُلد جون دالتون في 6 سبتمبر 1766 في قرية إيجلزفيلد الصغيرة بمقاطعة كمبريا في شمال غرب إنجلترا.
-
نشأ في أسرة متواضعة تعمل في الزراعة والنسيج.
-
لم يحصل على تعليم رسمي متقدم، لكنه كان مولعًا منذ طفولته بالرياضيات والعلوم الطبيعية.
-
في سن الثانية عشرة، بدأ العمل كمدرّس مساعد في مدرسة القرية.
هذا الشغف بالعلم دفعه لاحقًا إلى الانتقال إلى مدينة مانشستر، التي كانت مركزًا للنهضة الصناعية والعلمية.
المسيرة العلمية
بدأ دالتون مسيرته العلمية بالتدريس وإلقاء المحاضرات في الرياضيات والفيزياء.
-
في عام 1793، نشر أول كتاب له بعنوان: “الأطروحة حول الأرصاد الجوية“، الذي تضمن ملاحظاته عن الطقس والضغط الجوي والرطوبة.
-
عُرف باهتمامه بعلوم الطبيعة، خاصة الكيمياء والفيزياء والطقس.
-
في مانشستر، أصبح عضوًا بارزًا في الأوساط العلمية، مما ساعده على تطوير أفكاره الكبرى لاحقًا.
النظرية الذرية لدالتون
أعظم إسهام علمي لجون دالتون كان وضعه النظرية الذرية الحديثة عام 1803.
-
اقترح أن جميع المواد تتكون من ذرات صغيرة غير قابلة للتجزئة.
-
أكّد أن ذرات العنصر الواحد متشابهة في الشكل والكتلة، بينما تختلف عن ذرات العناصر الأخرى.
-
أوضح أن التفاعلات الكيميائية ما هي إلا إعادة ترتيب للذرات دون أن تُفنى أو تُستحدث.
بهذا، قدّم دالتون أول تصور علمي متكامل لطبيعة المادة.
الأوزان الذرية النسبية للعناصر
واحدة من أبرز إنجازات دالتون كانت وضع جداول الأوزان الذرية النسبية للعناصر.
-
اعتمد على قياسات دقيقة للتفاعلات الكيميائية لتحديد النسب بين العناصر.
-
وضع أول قائمة للأوزان الذرية عام 1803، تضمنت عناصر مثل الأكسجين، الهيدروجين، النيتروجين، والكبريت.
-
رغم أن بعض تقديراته لم تكن دقيقة بسبب محدودية الأدوات آنذاك، إلا أن منهجه كان ثوريًا.
لقد مهّد هذا العمل الطريق أمام الكيميائيين لاحقًا مثل ديمتري مندليف في بناء الجدول الدوري.
إسهاماته الأخرى
لم تقتصر إنجازات دالتون على النظرية الذرية فقط، بل شملت مجالات متنوعة:
-
علم الأرصاد الجوية: قام بتسجيل مشاهداته للطقس يوميًا على مدى أكثر من 50 عامًا.
-
فيزياء الغازات: أسهم في صياغة قانون دالتون للضغوط الجزئية، الذي ينص على أن الضغط الكلي لمزيج من الغازات يساوي مجموع الضغوط الجزئية لكل غاز.
-
عمى الألوان: كان دالتون نفسه يعاني من ضعف في تمييز الألوان، فدرس هذه الظاهرة بدقة، حتى أن مرض عمى الألوان يُعرف أحيانًا بـ الدالتونية (Daltonism).
الاعتراف والتكريم
نال جون دالتون تقديرًا واسعًا خلال حياته وبعد وفاته:
-
أصبح عضوًا في الجمعية الملكية البريطانية.
-
حصل على عدة أوسمة علمية تقديرًا لإسهاماته.
-
بعد وفاته في 27 يوليو 1844، دُفن في مانشستر وسط جنازة حضرها أكثر من 40 ألف شخص، تقديرًا لعطائه العلمي.
تأثيره على تطور الكيمياء
إسهامات جون دالتون أحدثت ثورة في علم الكيمياء:
-
بفضله، أصبح بالإمكان تفسير التفاعلات الكيميائية على أساس ذري.
-
ألهم علماء مثل غايلوساك وأفوجادرو لتطوير قوانينهم الشهيرة.
-
ساعدت أفكاره في نشوء الكيمياء الحديثة التي نعتمد عليها اليوم في الأدوية، والصناعة، والتقنية.
إرثه العلمي
حتى اليوم، يبقى اسم دالتون حاضرًا بقوة:
-
تُدرّس نظريته الذرية في المدارس والجامعات حول العالم.
-
تُستخدم وحدة قياس الكتلة الذرية (Dalton) تكريمًا لاسمه.
-
يعد مثالًا للعالم العصامي الذي بدأ من بيئة متواضعة وترك بصمة خالدة في تاريخ البشرية.
خاتمة
كان جون دالتون بحق رائد النظرية الذرية الحديثة وواضع مفهوم الأوزان الذرية النسبية للعناصر. لقد أسهمت أفكاره في تحويل الكيمياء إلى علم دقيق قائم على التجريب والقياس. وبفضل إنجازاته، انطلقت الثورة العلمية التي غيّرت نظرتنا إلى المادة والطبيعة. إن إرثه العلمي يظل شاهدًا على أن الإبداع لا يحتاج إلا إلى شغف بالمعرفة وإصرار على الاكتشاف.