مبدعونعباقرة

رياض السنباطي .. أمير النغم

رياض السنباطي .. أمير النغم

أمير النغم الذي أثرى الموسيقى العربية بالكثير من الألحان والأغنيات، تألق بسرعة البرق في سماء الفن، واحتل مكانة بارزة في أجواء الموسيقى العربية الأصيلة وبرز في العزف على العود وهيمن على أعلى المستويات في ميدان التلحين، منحه المجلس الدولي للموسيقي في باريس جائزته في عام 1964م وصنفه ضمن أفضل مائة موسيقي في العالم، وهو الموسيقار العربي الوحيد، الذي فاز بجائزة اليونسكو كأحد خمسة علماء موسيقيين من العالم.

ولد محمد رياض السنباطي وشهرته رياض السنباطي في 30 نوفمبر من عام 1906م في مدينة فارسكور التابعة لمحافظة دمياط بشمال دلتا مصر، ونشا في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية في بيئة فنية موسيقية وفي جو من الطرب العربي الأصيل حيث كان والده عوادا اخذ عنه مبادئ الموسيقى.

التحق رياض بأحد الكتاتيب، ولكنه لم يكن مقبلا على الدرس والتعليم بقدر إقباله وشغفه بفنون الموسيقي العربية والغناء، وهيأت له الأقدار الطريق الذي يتفق مع أهوائه وميوله، حيث أصيب وهو في التاسعة من عمره بمرض في عينه، أحال بينه وبين الاستمرار في الدراسة، وهو ما دفع بوالده إلي التركيز على تعليمه قواعد الموسيقي وإيقاعاتها، وقد أظهر رياض استجابة سريعة وبراعة ملحوظة، فاستطاع أن يؤدي بنفسه وصلات غنائية كاملة، وأصبح هو نجم الفرقة ومطربها الأول وعرف باسم “بلبل المنصورة”، وقد استمع الشيخ سيد درويش لرياض فأعجب به أعجابا شديداً وأراد أن يصطحبه إلى الإسكندرية لتتاح له فرصاً أفضل، ولكن والده رفض ذلك العرض بسبب اعتماده عليه بدرجة كبيرة في فرقته.

وفي عام 1928م كان قرار الشيخ السنباطي الأب بالانتقال إلى القاهرة مع ابنه، الذي كان يرى انه يستحق أن يثبت ذاته في الحياة الفنية، مثله مثل أم كلثوم التي كان والدها صديقا له قبل نزوحه إلى القاهرة.

تقدم بطلب لمعهد الموسيقى العربية، ليدرس به فاختبرته لجنة من جهابذة الموسيقى العربية في ذلك الوقت، إلا أن أعضاءها أصيبوا بنوع من الذهول، حيث كانت قدراته أكبر من أن يكون طالباً لذا فقد أصدروا قرارهم بتعيينه في المعهد أستاذا لآلة العود والأداء، ومن هنا بدأت شهرته واسمه في البروز في ندوات وحفلات المعهد كعازف بارع.
ولم تستمر مدة عمله بالمعهد إلا ثلاث سنوات، قدم استقالته بعدها حيث كان قد اتخذ قراره بدخول عالم التلحين، وكان ذلك في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي عن طريق شركة أوديون للاسطوانات التي قدمته كملحن لكبار مطربي ومطربات الشركة ومنهم عبد الغني السيد، ورجاء عبده، ونجاة علي، وصالح عبد الحي.

ومع تطور أسلوب السنباطي وسطوع نجم كوكب الشرق أم كلثوم في منتصف الثلاثينيات، كان لا بد لهذين النجمين من التلاقي، وكانت البداية بأغنية “على بلد المحبوب وديني”، التي قدمت عام 1935م ولاقت نجاحا كبيرا، لينضم السنباطي إلي قائمة ملحني أغنيات أم كلثوم والتي كانت تضم محمد القصبجى وزكريا أحمد.

وبعد أغنية “على بلد المحبوب وديني”، لحن رياض لأم كلثوم “النوم يداعب عيون حبيبي”، كلمات الشاعر أحمد رامي، والتي أعجبت بها أم كلثوم وقدمتها في حفلها الشهري على مسرح قاعة ايوارت التذكارية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وكان حفلا مذاعا، ويعتبر من المنعطفات الهامة في حياة أم كلثوم والسنباطي معا، وظل رياض يمد أم كلثوم بألحانه وروائعه، حيث وجد في صوت أم كلثوم ضالته المنشودة، فبقدراتها الصوتية غير المحدودة وبإعجازها غنت ألحانه فأطربت وأبدعت.

وكان السنباطي مميزا عن الآخرين فيما قدمه من ألحان لأم كلثوم وبلغ عدد هذه الألحان نحو 90 لحنا، إلى جانب تميزه فيما فشل فيه الآخرون وهو تلحين القصيدة العربية التي توج ملكا على تلحينها ومن أشهر هذه القصائد رائعته “الأطلال” التي تغنت بها أم كلثوم عام 1966م وحققت وما زالت تحقق حتى الآن أعلى مبيعات الألبومات الغنائية.

وقد تأثر السنباطي في بداية تلحينه للقصيدة بالمدرسة التقليدية، كما تأثر بأسلوب زكريا أحمد. وأخذ رياض عن الموسيقار محمد عبد الوهاب الطريقة الحديثة التي ادخلها على المقدمة الموسيقية، حيث استبدل بالمقدمة القصيرة أخرى طويلة، ويري المؤرخون الموسيقيون أن ملامح التلحين لدى السنباطي قبل عام 1948م اعتمدت على الإيقاعات العربية الوقورة، والبحور الشعرية التقليدية الفسيحة، والكلمة الفصحى التي تقتضي في الإجمال لحنا مركزا.

وعلاقة السنباطي بالفن لم تنحصر في الموسيقى والتلحين فقط، فقد قدم في عام 1952م فيلما للسينما شاركته البطولة الفنانة هدي سلطان وكان من إخراج حلمي رفلة، وعلى الرغم من نجاح الفيلم إلا أن السنباطي لم يفكر في تكرار التجربة، دون إفصاح عن الأسباب إلا انه قال: “لم أجد نفسي في التمثيل فاللحن هو عالمي”.

والي جانب كوكب الشرق أم كلثوم لحن رياض السنباطي للكثيرين من سلاطين الطرب أمثال منيرة المهدية، فتحية أحمد، صالح عبد الحي، محمد عبد المطلب، عبد الغني السيد، أسمهان، هدى سلطان ،فايزة أحمد، سعاد محمد، وردة، نجاة، وعزيزة جلال والتي قدم لها مجموعة من الأغاني العاطفية و لحن لها آخر عمل فني له وهي قصيدة “الزمزمية” وقصيدة “من أنا”، لتكون بذالك آخر فنانة تقدم أعمال رياض السنباطي.

وحظي الموسيقار الكبير بالكثير من مظاهر التكريم، فقد آثرته السيدة أم كلثوم من بين سائر ملحنيها بلقب العبقري، وكان عضوا لنقابة المهن الموسيقية، وعضوا في جمعية المؤلفين بفرنسا، وعضوا للجنة الموسيقي بالمجلس الأعلى للفنون والآداب، وعضوا لجمعية المؤلفين والملحنين.

وحصل السنباطي على العديد من الجوائز والأوسمة منها: وسام الفنون من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1964م، وجائزة المجلس الدولي للموسيقى في باريس في نفس العام، وجائزة الريادة الفنية من جمعية كتاب ونقاد السينما عام 1977م، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون والموسيقى ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الرئيس الراحل محمد أنور السادات وعلى الدكتوراه الفخرية لدوره الكبير في الحفاظ على الموسيقى.

وقد رحل الموسيقار الكبير رياض السنباطي في التاسع من شهر سبتمبر عام 1981م بعد مسيرة فنية زاخرة بالأعمال الرائعة التي لازالت باقية في أسماع الناس حتى اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى