المجلةبنك المعلومات

سويتشيرو هوندا.. “الطالب الفاشل” يؤسس إحدى كبرى شركات السيارات في العالم

 

  • من فرط فقر أسرته.. توفي خمسة من إخوته الصغار تباعا نتيجة قلة الطعام وأمراض “سوء التغذية”
  • كان طالبا فاشلا يتهرب من أداء واجباته.. وكان يفضل السير في الشوارع لـ”مشاهدة السيارات” على المدرسة
  • قنبلة من قنابل “الحلفاء” أصابت مصنع “هوندا” الأول.. ثم تعرض المصنع للتدمير تماما بعدما ضربه زلزال
  • كان يمتلك عزيمة لا تُقهر ولا يستسلم أبدا لأي مشكلة.. وكان يرى في كل محنة تأتيه “فرصة من الظلام”
  • هوندا: ارتكبت الكثير من الأخطاء.. النجاح يمثل 1% فقط من عملنا الذي ينتج عن 99% من فشلنا!

 

سويتشيرو هوندا، رجل الأعمال الراحل، والمخترع الياباني الشهير، ومؤسس الشركة التي تحمل اسمه، هو “الطالب الفاشل” الذي استطاع أن يؤسس إحدى كبرى شركات السيارات في العالم، إنه ابن “الحداّد” الفقير الذي أصبح أشهر من إمبراطور اليابان!

ومسيرة حياة هوندا عنوان كبير على الكفاح، فقد كان يمتلك عزيمة لا تُقهر ولا يستسلم أبدا لأي مشكلة، وكان يرى في كل محنة تأتيه “فرصة من الظلام”، بل إنه قال ذات يوم “لقد ارتكبت الكثير من الأخطاء، وأنا أؤكد أن النجاح يمثل 1% فقط من عملنا الذي ينتج عن 99% من فشلنا”!

وُلد هوندا في 17 نوفمبر 1906 في قرية بمقاطعة “هماماتسو” اليابانية النائية، من عائلة كثيرة العدد تعاني فقرا مدقعا، ويقال إنه من فرط فقر أسرته أن توفي خمسة من إخوته الصغار تباعا نتيجة قلة الطعام وأمراض “سوء التغذية”، وكان والده حداّدا رقيق الحال يُصلح الدراجات الهوائية للمارة على الطريق السريع.

الطالب الفاشل

لم يكن الصبي “سويتشيرو” في مطلع حياته شخصا مجتهدا، بل كان طالبا فاشلا يتهرب من أداء واجباته المدرسية، وكان يفضل السير في الشوارع لمشاهدة السيارات والآليات على الذهاب إلى المدرسة، وصارت السيارات عشقه الأول، قال هوندا عن ذلك فيما بعد: “لقد تسمرّت أمام أول سيارة رأيتها في حياتي، وأعتقد أنه في هذه اللحظة وُلدت لدي فكرة اختراع سيارة من تصميمي على الرغم من أنني كنت طالبا فاشلا في تلك الأيام”!

ومن المعروف عن هوندا كُرهه لنظام التعليم والمدارس بشكلها الحالي، فقد كان منذ صغره يؤمن بأن نظام المدارس يقتل الإبداع والاختراع، ويفضّل طريقة “التجربة والخطأ” للتعلم، وهذا بالضبط ما حدث، فقد ترك “سويتشيرو” المدرسة وكان عمره 15 عاما، ثم غادر قريته متوجها إلى العاصمة “طوكيو” حيث أقام بشكل نهائي، وعمل كصبي ثم كعامل في محل لإصلاح السيارات، لمدة 6 سنوات، وتعلم الكثير من أسرار المهنة خلال تلك الفترة، وعاش حياة الكفاف ليدخر المال اللازم لبدء عمله الخاص، قبل أن يقترض أموالا أخرى من البنوك ليفتتح أول محل لتصليح السيارات عام 1928.

وفي العشرين من عمره، بدأت رحلة هوندا عندما عرض حلقة “الكبّاس” التي صممها على شركة “تويوتا”، لكن الشركة كانت بحاجة لأعداد كبيرة، وإلا فلا يمكنها شراء القطعة تلو القطعة، ما اضطر هوندا لتأسيس مصنع صغير لحلقات الكبّاس، ورغم المصاعب الجمّة التي عانى منها لترخيص المصنع بسبب ضعف الموارد الحكومية ورفضها تزويده بالإسمنت، إلا إنه لم ييأس، وابتكر طريقة هو وفريقه لتصنيع الإسمنت محليا وبنى المصنع بالفعل بعد أشهر طويلة من الكفاح.

وحصل الشاب في السنة نفسها على براءة اختراع لتصميمه مكابح معدنية للسيارات، بعد أن كانت مصنوعة من الخشب، وكانت هذه الفكرة هي نقطة انطلاقه الأولى إلى عالم الابتكار، حيث سجل أكثر من 470 ابتكارا و150 براءة اختراع باسمه.

بدأ هوندا عام 1938 بتصميم قطع غيار سيارات مبتكرة ومنها “الكباّسات” لحساب شركة “تويوتا” اليابانية، وكانت الحرب العالمي الثانية التي دخلت اليابان طرفا فيها قد بدأت، وفي تلك الفترة أسس الرجل مصنعا صغيرا ليقوم بهذا العمل لمصلحة الشركات، لكن قنبلة من قنابل “الحلفاء” أصابت المصنع وأوقفته عن العمل.

ولم يجد المواد الخام اللازمة لصناعة قطع الغيار، فخطرت على باله فكرة عبقرية، حيث نهض من جديد، وجنّد فريقـه فأخذوا يجمعون علب البنزين الفارغـة التي كانت المـقـاتـلات الأمريكية تتخلـص منها خلال الحرب، وأطـلـق على هذه العلب اسم “هدايـا الرئيس ترومـان” لأنها وفرت لـه المـواد الأوليـة التي يحتاجها للعمليـات الصناعيـة التي يقوم بهـا، وهي مواد لـم تكـن متوافـرة فـي اليـابـان آنــذاك.

وأشرف هـونـــدا مـن خـلال مصنعه عـلى إنـتــــــــــاج الصـمـامــات التي طـلبتهـا “تـويـوتـــا”، لقـد اقـترب النجـاح. وفي هذه الأثـناء من التـرقــب السعـيـد لمشاهدة أول باكـورة إنتاج المصنع، وقع زلـزال دمّـر المصنع تدميراً كـامــلاً، وهكذا أصيب المخترع الذي كان في التاسعة والثلاثين من عمره، بالكارثة تلو الأخرى.

وجراء ذلك، أصبح هوندا بعد كفاح مرير مُعدما تماما بعد أن تعرض كل شئ من حوله للتدمير، لكنه استطاع أن يقف على قدميه مرة أخرى بعد دخوله سوق الدراجات النارية بمحض المصادفة، فقد عانى هوندا من انقطاع البترول في نهاية الحرب العالمية ولم يستطع قيادة سيارته، فساعدته قريحته على ربط دراجته الهوائية بمولد صغير عثر عليه في مخلفات المصنع، وكان يعمل على الكيروسين الذي كان متوفرا في ذلك الوقت بكثرة.

ونال هذا الاختراع إعجاب أصدقائه فطلبوا منه تصميم 12 دراجة نارية من هذا النوع، فأيقن هوندا أنه هناك سوقا كبير لاختراعه هذا، لكنه لم يجد المال الكافي لإنشاء مصنع، وكانت خطته أن يناشد أصحاب محلات الدراجات في اليابان وعددهم 18 ألف شخص أن يهبوا لمساعدته، وأخذ يكتب لهم خطابات تلو الخطابات ليبلغهم بأنه يسعى إلى لعب دور في إعادة بناء اليابان المُدمرة مجددا من خلال قوة الحركة التي يمكن لاختراعه أن يوفرها، واستطاع إقناع 5 آلاف من هؤلاء البائعين بأن يقدموا رأس المال اللازم له، فأسس شركته الثانية عام 1948، وحصل على براءة اختراع لتصميم الدراجات النارية.

وبحلول عام 1958 كان مصنع هوندا قد أصبح أكبر مصنع للدراجات النارية في اليابان، واجتذبت هذه الدراجة المبتكرة آلاف المراهقين والإناث، فقد كانت نقلة نوعية في هذا المجال، وكان سعرها مناسبا، لذلك اندفع الملايين من كل الأعمار في كل أنحاء العالم لشراء دراجة “هوندا” النارية.

بدأ ازدهار الشركة عام 1961، وكانت تشحن 100 ألف دراجة إلى الولايات المتحدة سنويا، وفي 1968 وصل مجموع الدراجات المشحونة إلى أمريكا مليون دراجة. وفي أوساط الثمانينات من القرن الماضي كانت “هوندا” قد استحوذت على 60% من حصة السوق العالمي من الدراجات لأنها كانت ببساطة “في متناول الجميع”.

“السيد عاصفة”!

دخل هوندا، الطموح، عالم السيارات عام 1962 عندما بدأ بتصميم سيارات للسباق، على الرغم من معارضة وزارة الصناعة اليابانية لذلك، بسبب كثرة مصانع السيارات في البلاد، لكنه لم يأبه، ودخل سوق السيارات فعليا عام 1970، وبتصميمه وعزمه استطاع أن يتخطى الجميع وينجح، بل ويحلق عالميا.

كما استطاع هوندا أن يغزو السوق الأمريكي من نقطة ضعفه، وهي إنتاج محركات تحافظ على البيئة حسب مواصفات الحكومة الأمريكية، ولم يكن أحد من العمالقة في صناعة السيارات من أمثال “جنرال موتورز وفورد وتويوتا ومرسيدس وبي إم دبليو”، قد نجح في اختراع محرك يفي بهذا الغرض، ولكن هوندا أحرج الجميع عندما قام باختراع أول محرك مقاوم للتلوث البيئي، وطرح أولى سياراته ذات المحرك الجديد عام 1975 تحت اسم “سيارة المدينة”، فلاقت السيارة نجاحا باهرا فور طرحها في السوق.

كان هوندا ثورياً في مجاله، ولم يكن محبوباً من قبل مجتمع مُصنعي السيارات في اليابان، خاصة عندما وقعت أزمة النفط العالمية في نهاية عام 1973، بعد حرب أكتوبر، وقرر مصنعو السيارات اليابانيون رفع الأسعار وتخفيض الإنتاج، أما هو فكان الوحيد الذي رفض هذه الفكرة وحاربها، وفعل العكس، أي أنه ضاعف الإنتاج وخفض الأسعار، واستطاع بذلك أن يصبح “رقم واحد” في السوق!

وهكذا، بجرأته وخياله الواسع، استطاع هوندا أن يتجاوز أزمة البترول التي مرت عصيبة على كل الشركات في عالم السيارات، وأن يحقق فيها نسبة مبيعات فاقت كل التصورات، فكعادته، كان يرى في كل محنة تأتيه “فرصة من الظلام”.

وتواصلت نسبة مبيعات هوندا في الارتفاع، حتى أصبحت في عام 1983 أسرع الشركات تطورا في عالم السيارات، وحققت سياراته أعلى نسب المبيعات لأعوام متتالية، وتفوق على أقرانه في الولايات المتحدة وفي اليابان، بل في العالم برمته آنذاك.

وعُرف الرجل بين موظفيه بـ”السيد عاصفة”، لأنه كان ينفجر غضبا عندما يقوم أي موظف بعمل أحمق، كما عُرف عنه كونه مبدعا، وخلّاقا ويكره الروتين بشدة، ويحب الجديد، ويفضل المخاطرة والتجربة، وكان ثوريا كذلك في قراراته الإدارية، ولكنه كان يمتلك عزيمة لا تقهر، ولا يستسلم أبدا لأي مشكلة.

ويعد هوندا مخاطراً من الدرجة الأولى، إذ كان يقود سيارات السباق بنفسه، وبسرعة جنونية، وأوشك ذات مرة أن يلقى حتفه في حادث وقع خلال أحد السباقات، وظل تحت العلاج المستشفى لمدة 3 أشهر بعد الحادث، ونصحه الأطباء بعدم الاشتراك في السباقات مرة أخرى، ومع ذلك تعلم قيادة الطواّفة “الهليكوبتر” عندما كان في الستين من عمره.

وبعد رحلة من الكد والاجتهاد والتعب، تقاعد هوندا من رئاسته لشركته في عام 1973، وكان عمره وقتها 63 عاما، بعد مرور نحو ربع قرن على تأسيس الشركة. وبعد التقاعد، كرس حياته للخدمات العامة، وحصل على وسام رفيع من إمبراطور اليابان، وعلى تقدير خاص من غرفة صناعة السيارات الأمريكية.

ومن أشهر ما قاله”: “عندما أنظر إلى الوراء، الآن، أحس أنني لم أحصد سوى سلسلة من الأعمال الفاشلة، والكثير من الندم، غير أنني في المقابل فخور بما حققته، وعلى الرغم من أنني ارتكبت الكثير من الأخطاء، واحداً تلو الآخر، لكن ليس هناك خطأ أو فشل تكرر مرتين، لذلك، أؤكد لكم أن النجاح يمثل 1% فقط من عملنا الذي ينتج عن 99% من فشلنا”!

وفي الخامس من أغسطس عام 1991، أسلم هوندا الروح عن 85 عاما، متأثرا بفشل كبدي، وتاركا وراءه الكثير من الإنجازات والنجاحات والدروس والعبر. فلم يكن أحد يعتقد أن الطفل الفقير المعدم والآتي من قرى اليابان البعيدة، والمسلح فقط بالطموح والأحلام والعزيمة والإصرار، يمكنه أن يغزو العالم بأفكاره وابتكاراته ومنتجاته، والتي غيرت العالم إلى الأفضل، وجعلت اسم هوندا المغمور اسماً يعرفه كل الناس في كافة أرجاء الكرة الأرضية.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى