هو قطب الدين الشيرازي محمود بن مسعود بن مصلح الفارسي، ولد في شيراز (إيران) 634 هـ، قاض، ومفسر، وعالم بالطبيعيات، كان أبوه ضياء الدين أستاذا صوفيا وطبيبا مشهورا.
وتحت إشراف والده تلقى قطب الدين في شيراز تعليمه الأساسي، وتلقى بعض الممارسات الخاصة بالطب والتصوف، وتعلم في طفولته عددا كبيرا من الصناعات ماعدا صناعة الشعر، وبدأ تعلمه للطب مبكرا، إذ لم يتجاوز عمره آنذاك العشر سنوات.
أسند إليه وظيفة والده كطبيب ممارس في مستشفى مظفر بشيراز وهو الرابعة عشرة من عمره، وبقي في هذا المنصب قرابة عشر سنوات، وأثناء هذه المدة التي قضاها في مستشفى مظفر درس لقطب الدين ثلاثة أساتذة كلهم كانوا من أعمامه.
انتقل بعدها إلى أستاذه كمال الدين أبي الخير الكيزروني ومعه درس كليات ابن سينا، ومع أستاذه شمس الدين محمد بن أحمد الكبشي درس قطب الدين العلوم الدينية، وسافر بعدها إلى بغداد حيث اشترك في الحلقة العلمية لشرف الدين زكي البشكاني، ومن خلال اشتراكه في دروس شرف الدين استطاع قطب الدين أن يطلع على شروح ابن سينا في الطب وكذلك أعمال الرازي.
وجد قطب الدين من خلال اطلاعه على هذه الأعمال لذة في دراسة فلسفة وطب ابن سينا، ولكن لم يكن في ذاك الوقت من هو أهلا لأن يشبع رغبة قطب الدين في معرفة المزيد في هذه العلوم، ولهذا السبب ترك قطب الدين وظيفته في مستشفى المظفر متجها إلى مراغة عام 660هـ، وتتلم على يد أستاذه نصير الدين الطوسي ولقد كان اختيار قطب الدين للأستاذ والمكان اختيارا موفقا، فقد كان نصير الدين الطوسي أحد أساتذة الفلسفة والفلك في وقته، كما أنه كان مديرا لمرصد مراغة الذي كان قد اكتمل بناؤه وبدئ العمل فيه وقت أن وصل قطب الدين لمراغة، ولم يكن مرصد مراغة هذا مرصدا فلكيا فقط وإنما كان مكتبة ضخمة تحوي أكثر من أربعمائة ألف كتاب، بعضها كان مؤلفات لأشهر علماء اليونان.
وسافر قطب الدين إلى مصر وسوريا مكث طويلا حيث قام بتدريس كتاب الشفاء لابن سينا، ومن سوريا رجع قطب الدين إلى الأناضول وبه بدأ كتابة شرح على القانون وأسماه شرح كليات القانون، واستقر في عام 690هـ/1291م في تبريز والتي كانت وقتها تحت حكم جازان خان خليفة أحمد تكدر، كما كانت مركزا ثقافيا مهما للعالم الإسلامي، وبها مكث قطب الدين بقية عمره واهبا نفسه للكتابة حتى وافته المنية عام 710هـ/1311م.
يعدّ “جورج سارطون” قطب الدين الشيرازي من علماء الرياضيات، والفلك، والفيزياء، والفلسفة البارزين، وقد تجلت إسهاماته في الفيزياء في شرحه لقوس قزح “شرحاً وافياً هو الأول من نوعه، فبين أن ظاهرة القوس هذه، تحدث من وقوع أشعة الشمس على قطيرات الماء الصغيرة الموجودة في الجو عند سقوط الأمطار، وحينئذ تعاني الأشعة انعكاساً داخلياً، وبعد ذلك تخرج الأشعة إلى عين الرائي”.
أما في الفلك، فقد تابع أعمال أستاذه نصير الدين الطوسي، فطور نموذجاُ فلكياً لعطارد كان الطوسي قد بدأه، كما شرح أفكار أستاذه الغامضة في الفلك والهندسة.
وكان الشيرازي يعتمد في بحوثه على المشاهدة والتجربة والاستنتاج، مع الأخذ بالبرهان الرياضي على المسائل الفيزيائية والفلكية.
من أهم مؤلفاته كتاب “نهاية الإدراك في دراية الأفلاك”، وهو كتاب ـ كما يقول سارطون ـ يشتمل “على موضوعات مختلفة، تتعلق بالفلك، والأرض، والبحار، والفصول، والظواهر الجوية، والميكانيكا، والبصريات”.
ومن كتبه المهمة : “كتاب التحفة الشاهية في الهيئة”، و”كتاب التبصرة في الهيئة”، و”كتاب نزهة الحكماء وروضة الأطباء” : وهو شرح وتعليق على كتاب القانون لابن سينا، و”كتاب رسالة في بيان الحاجة إلى الطب وآداب الأطباء ووصاياهم”، و”رسالة في البرص”.
وللشيرازي أيضاً عدد آخر من المؤلفات في الفلك وفي علوم مختلفة. وقد توجه في أواخر حياته إلى التصوف، ووضع بعض المصنفات في علوم القرآن والحديث.