مبدعوننقاط مضيئه

مهيار حسين بور: الطفل المعجزة الذي حوّل حفظ القرآن إلى إعجاز رقمي

مهيار حسين بور | أذهل الطفل الإيراني “مهيار حسين بور” الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره، المشاركين في مسابقة دبي الدولية للقرآن الكريم، بعدما أظهر قدرة فائقة ونادرة على حفظ أرقام السور والآيات والأجزاء والأحزاب، ورقم صفحات المصحف، وتسلسل الآيات، والجهة التي تقع بها يمين أو يسار الصفحة.

وحفظ “مهيار حسين بور” القرآن الكريم، وهو في مازال في الخامسة والنصف من عمره، والغريب أنه ولد وهو غير قادر على النطق، وظل هكذا حتى بلغ الخامسة من العمر، وبدأت قدرته على النطق تتطور تدريجيا، ولم تمض 6 أشهر إلا وكان قد حفظ القرآن بالكامل.

واستطاع “مهيار” بعدها الحديث بصورة طبيعية، غير أنه لم يكن قادرا على فهم اللغة العربية، رغم تلاوته الجيدة للقرآن، كذلك لم يكن يدري شيئا عن لغته الفارسية.

عادةً ما يتم تقييم المتسابقين في مسابقات القرآن الكريم بناءً على جودة الحفظ، ودقة التلاوة، وجمال الصوت، والالتزام بأحكام التجويد. لكن مهيار حسين بور أضاف بعداً جديداً ومبهراً لهذا التقييم. لم يكن حافظاً للقرآن فحسب، بل كان حافظاً لـ “خريطة المصحف” بأكملها. لقد أظهر قدرة فائقة على ربط كل آية وكل كلمة بإحداثياتها الدقيقة داخل المصحف الشريف، وهي موهبة يندر وجودها حتى بين كبار الحفاظ المتقنين.
قدراته المذهلة شملت:
  • حفظ أرقام السور والآيات: عند سؤاله عن أي آية، لم يكن يذكرها فقط، بل يذكر معها رقمها ورقم السورة التي تنتمي إليها.
  • تحديد رقم الصفحة: كان قادراً على تحديد رقم الصفحة التي تقع فيها الآية المطلوبة بدقة متناهية.
  • معرفة موقع الآية في الصفحة: والأكثر إبهاراً، كان يحدد موقع الآية بدقة، هل هي في يمين الصفحة أم يسارها، وفي أي جزء منها تقع (أعلى، وسط، أو أسفل).
  • ربط تسلسل الآيات: كان بإمكانه ذكر الآية التي تسبق أو تلي أي آية تُطلب منه، مما يثبت أنه لا يحفظ الآيات بشكل منفصل، بل كجزء من نسيج قرآني متكامل في ذاكرته.
  • حفظ أرقام الأجزاء والأحزاب: امتدت ذاكرته لتشمل التقسيمات الكاملة للمصحف، حيث كان يربط كل آية بالجزء والحزب الذي تنتمي إليه.
هذه القدرة على “الحفظ التصويري الرقمي” للمصحف حوّلت مهيار من مجرد متسابق إلى ظاهرة تستحق الدراسة والتأمل، فهو لا يرى القرآن كمجرد نص، بل كبناء متكامل ومترابط في ذاكرته.

2. مسابقة دبي الدولية للقرآن: منصة انطلاق الموهبة إلى العالمية

تُعد مسابقة دبي الدولية للقرآن الكريم، التي تُقام سنوياً تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بمثابة “أولمبياد الحفاظ”. فهي تجمع نخبة النخبة من شباب العالم الإسلامي للتنافس في حفظ كتاب الله. وفي هذا المحفل العالمي، لم يكن مهيار حسين بور مجرد مشارك، بل كان نجم الدورة التي شارك فيها.
عندما بدأت لجنة التحكيم في اختباره، لم تكتف بالأسئلة التقليدية. لقد أدركوا أنهم أمام موهبة استثنائية، فبدأوا بتحدي ذاكرته الرقمية. ومع كل سؤال، كانت إجابات مهيار تأتي سريعة، دقيقة، وواثقة، مصحوبة بابتسامة طفولية بريئة تخفي خلفها جبلاً من الإتقان. تعالت الدهشة في القاعة، وتحولت جلسة اختباره من مجرد تقييم إلى عرض حي لقدرة إنسانية خارقة، امتزج فيها الإعجاب بالموهبة مع الخشوع أمام عظمة القرآن الذي يسّر الله حفظه بهذه الطريقة المذهلة.

3. كيف تُبنى هذه الموهبة؟ سر “الحفظ المنهجي”

إن الوصول إلى هذه المرتبة من الإتقان في سن مبكرة لا يمكن أن يكون وليد الصدفة. إنه نتاج منهجية علمية دقيقة، وشغف إيماني عميق، ودعم أسري لا محدود.
  • البداية المبكرة: مثل العديد من الحفاظ، بدأ مهيار رحلته مع القرآن في سن مبكرة جداً، حيث تكون عقول الأطفال أكثر قدرة على الحفظ والاستيعاب.
  • التكرار المنهجي المنظم: لم يكن الحفظ عشوائياً، بل اعتمد على طرق منهجية تركز على التكرار المنتظم للآيات والصفحات، ليس فقط للحفظ، بل لترسيخ “صورة الصفحة” في الذهن.
  • الربط الذهني والبصري: تعتمد هذه الطريقة على استخدام الذاكرة البصرية بقوة، حيث يقوم الحافظ بربط شكل الآيات وموقعها على الصفحة، تماماً كما يحفظ الإنسان صورة فوتوغرافية بتفاصيلها. ومع التكرار، تصبح هذه الصورة جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة طويلة الأمد.
  • الدعم الأسري والبيئة المحفزة: لا يمكن إغفال دور الأسرة والمحفظين في رعاية هذه الموهبة. إن توفير بيئة هادئة ومشجعة، وتخصيص ساعات طويلة للمراجعة، والاحتفاء بكل إنجاز، هو الوقود الذي يغذي شغف الطفل ويساعده على الاستمرار في هذه الرحلة الشاقة.
  • البركة القرآنية: قبل كل شيء، يؤمن المسلمون بأن حفظ القرآن هو توفيق وهبة من الله. فكما قال تعالى: “وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ”. قصة مهيار هي تجسيد حي لهذه الآية، ودليل على أن الله يفتح لحفظ كتابه عقولاً وقلوباً بطرق قد تبدو إعجازية.

4. الدروس المستفادة من ظاهرة مهيار حسين بور

قصة مهيار ليست مجرد خبر عابر عن طفل موهوب، بل هي مصدر إلهام ودروس عميقة للأسر والمجتمعات والمؤسسات التعليمية:
  1. أهمية الاستثمار في النشء: تثبت قصة مهيار أن الاستثمار في تعليم الأطفال ورعايتهم في سن مبكرة يمكن أن ينتج عنه مواهب فذة قادرة على إبهار العالم.
  2. قوة المنهجية في التعليم: الإتقان لا يأتي من الفوضى. إن وجود منهجية واضحة ومنظمة في أي مجال تعليمي، سواء كان دينياً أو علمياً، هو الطريق الأكيد للوصول إلى التميز.
  3. القرآن الكريم كمصدر للإلهام: تتجاوز علاقة المسلم بالقرآن حدود التلاوة، لتصبح مصدراً للإلهام الفكري والروحي، ومحفزاً لتطوير القدرات العقلية والذهنية.
  4. نموذج عالمي للشباب المسلم: يقدم مهيار نموذجاً مشرفاً للشباب المسلم في جميع أنحاء العالم، يجمع بين الارتباط العميق بالدين والتفوق الذهني المبهر.

خاتمة: إرث من الإلهام

سيظل اسم مهيار حسين بور محفوراً في ذاكرة مسابقة دبي الدولية للقرآن الكريم، ليس فقط كمتسابق فاز أو شارك، بل كظاهرة فريدة أعادت تعريف حدود الإتقان في حفظ كتاب الله. قصته هي شهادة حية على أن القرآن الكريم، بكلامه المعجز، قادر على أن يلهم معجزات بشرية، وأن العقول الشابة، إذا ما وجدت الرعاية الصحيحة والبيئة المناسبة، يمكنها أن تصل إلى آفاق لا حدود لها من الإبداع والتفوق.

زر الذهاب إلى الأعلى