«عاشها كلها»..سيرة تلميذ المعري الشغوف بالفكر
تأليف: الدكتور كاظم الداغستاني
-
غاري روفكون : عالم الوراثة المبتكر والحائز على جائزة نوبلأكتوبر 13, 2024
-
هان كانغ .. أول روائية كورية جنوبية تفوز بجائزة نوبل للآدابأكتوبر 11, 2024
-
أحمد محمود الأقرع .. عالم عبقري من قرية سنجرجأكتوبر 5, 2024
تقديم: محمد البخاري – د. كارلوس بارونا ناربيون
الناشر: الهيئة العامة السوريّة للكتاب – دمشق
الصفحات: 260 صفحة
«عاشها كلها»..سيرة تلميذ المعري الشغوف بالفكر
يُعدد الكتاب – بشكل غير مباشر – صفات مؤلفه، ووضعه الاجتماعي والاقتصادي، فيشير إلى أنه أمضى العمر كله في بحبوحة واسعة، ما أرادها ولا سعى إليها. تميز بالغبطة والفرح. ألهمته روائع الجمال التي اجتمعت من حوله، فانطلق مرحاً ليروي في كتابه هذا، بعض الذكريات، ولكل منها حكاية صغيرة، من ضمنها تجديده لضريح الشاعر أبي العلاء المعري.
ولد الداغستاني وترعرع في «الصالحيّة» التي كانت ضاحية من ضواحي الشام القديمة، يصعد إليها الناس للنزهة، ويقصدها بعض المرضى للاستشفاء.
تعلّم في (الكتّاب) لدى الشيخ محمد معتم، ثم في «الخجا» لدى الشيخة أم رشيد وابنتيها الشيختين فاطمة وأمينة الكلاّس اللواتي كرّسن السنين الطويلة من حياتهن الطيبة المباركة لتقرئة القرآن، وتعليم القراءة والكتابة والحساب للألوف من فتيان الصالحيّة وفتياتها.
أولع الداغستاني منذ ختم القرآن، وقرأ بعض الكتب، بالكلام المنمق، يبلغ من نفسه، وباللفظ الرائع يستهويه، كما أولع بتربية الحمام.
كانت تلك الأيام قاتمة اللون، تكاد تكون مفعمة بالكآبة والحيرة، الأمر الذي جعله يفتش عن نفسه فلا يجدها، وإذا وجدها مرة، ألقاها مضطربة تكاد لا تعرف ما تبتغي، ولا تُدرك ما تريد، وهذا جعل من أيام مراهقته، وبوادر شبابه، قاسية، لأنه لم يجد خلالهما ما يملأ الفراغ الذي خلفته نزوات الحياة، كما أسماها «برغسون» في نواحي القلب والروح والعقل.
بعد حياة دراسيّة حافلة أمضاها الدكتور الداغستاني في العاصمة الفرنسيّة باريس، تُوّجت بحصوله على درجة الدكتوراه العام 1933، كان عليه حزم متاعه، ولف عباءته على جسمه الناحل التعب، والتسلل بين الخيام، دون صدى أو نأمة، إلا ما يُشبه حفيف النخيل، وقد هبت عليه نسمات العشيّة، لم يبق له إلا أن يلجأ إلى الإياب غير شاكٍ ولا متبرّم.
كما زاديك البابلي في حكاية القدر، وكما أوليس الإغريقي في شعر الأوديسا، وقد آبا إلى بلديهما وأهليهما، بعد أن لقيا ما قُدّر لهما. ليس لديه من سبيل إلا أن يعود إلى بلده حاملاً معه إليها أجمل ذكريات ولعه الأخير، كما حمل منها، خلال سنوات طوال، ذكريات ولعه الأول.
كان الدكتور الداغستاني، قبل سفره إلى باريس، قد تعلّم بزحلة بالبقاع، وبالمدرسة السلطانيّة (مكتب عنبر) في دمشق، ثم في مدرسة تعنايل الزراعيّة بلبنان، والتحق بمعهد الحقوق بالجامعة السوريّة وحصل على شهادته.
عمل بعد عودته إلى وطنه كاتباً، ثم نُقل إلى ديوان مجلس الوزراء في أول حكومة عربيّة عام 1920، وعُيّن قائم مقام في معرة النعمان، فأدخل إليها الكهرباء، وجدد ضريح الشاعر أبي العلاء المعري، كما عمل محافظاً بالوكالة لحوران، ثم مفتشاً إدارياً في وزارة الداخلية، وبعد تقاعده عمل في المحاماة. أصدر مجلة «الثقافة» بالاشتراك مع خليل مردم بيك، وكامل عيّاد، وجميل صليبا عام 1933، ثم أصدر مجلة «الحديث» في حلب.