أحد عمالقة الموسيقى العربية، وشيخ الملحنين المصريين في العصر الحديث، واحد صناع التراث الموسيقى، وهو ثالث الخمسة الكبار بعد سيد درويش ومحمد القصبجى، اشتهر بدماثة الخلق، والاعتزاز بالكرامة، والتمسك بالحق، والحنو على الضعفاء، قدم ألحانا خالدة لكبار المطربين وعلى رأسهم سيدة الغناء العربي أم كلثوم.
ولد الموسيقار الكبير زكريا احمد عام 1896م، واسمه بالكامل زكريا أحمد جعفر ببلدة سنورس بالفيوم لأب حافظ للقران وهاوي لسماع التواشيح مما أكسب زكريا الحس الموسيقى مبكرا، لكن الوالد أراد لولده الاتجاه نحو المشيخة والعلم الديني، فادخله الكتاب ثم المدرسة الابتدائية ثم التحق بالأزهر الشريف.
تلقى زكريا احمد العلوم الدينية وعلوم اللغة العربية وأجاد حفظ وتلاوة القرآن الكريم ومن هنا لقب بالشيخ زكريا وذاع صيته بين زملائه كقارئ ومنشد، ودرس الموسيقى على يد الشيخ درويش الحريري الذي ألحقه ببطانة إمام المنشدين الشيخ على محمود، كما أخذ زكريا الموسيقى عن الشيخ المسلوب وإبراهيم القباني وغيرهم.
وفي عام 1919م بدأ زكريا رحلته كملحن بعد أن اكتملت لديه معرفة الموسيقى وتفاصيلها، حيث قدمه الشيخ على محمود و الشيخ الحريري لإحدى شركات الأسطوانات، وفي عام 1924م بدأ التلحين للمسرح الغنائي، ولحن لمعظم الفرق الشهيرة مثل فرق علي الكسار و نجيب الريحاني وزكى عكاشة ومنيرة المهدية وغيرها ، وبلغ عدد المسرحيات 65 مسرحية لحن خلالها أكثر من 500 لحن.
وفي عام 1931 بدأ التلحين لكوكب الشرق أم كلثوم، حيث لحن لها تسعة أدوار أولها هو “ده يخلص من الله” عام 1931م، وحتى دور “عادت ليالي الهنا” عام 1939م، ولحن لها أيضا الكثير من أغاني أفلامها مثل “الورد جميل”، “غني لي شوي شوي”، “ساجعات الطيور”، “قولي لطيفك”.
وفي الأربعينيات لحن لها عدداً من الأغاني الكلاسيكية الطويلة التي صارت علامات فارقة في تاريخها مثل “الآهات”، “أنا في انتظارك”، “الأمل”، “حبيبي يسعد أوقاته”، “أهل الهوى”، واختلف معها عام 1947م، وحتى عام 1960م حيث لحن لها أخر روائعه “هو صحيح الهوى غلاب”،
و يعد زكريا احمد من رواد فن “الطقطوقة” حيث ارتقى به شوطاً عظيماً، كما كانت ألحانه كلها غارقة في العروبة والأصالة، ويقال كثيرا أن الشيخ زكريا قدم بألحانه امتدادا لألحان الشيخ سيد درويش والحقيقة أنه سار على خطاه في الألحان الموغلة في الشرقية والمليئة بالصور الشعبية التي توحي بإخلاصه للتراث الشعبي كمصدر لموسيقاه وألحانه كما كان الحال مع سيد درويش، وهو من أشد كبار الموسيقيين العرب تعصبا لعروبة موسيقاه، وأوضحهم في انتمائه المصري الأصيل.
ومن أشهر أغاني زكريا احمد “يا صلاة الزين”، “يا جريح الغرام”، “يا حلاوة الدنيا”، ولحن زكريا احمد ثلاث وخمسين مسرحية غنائية، تراوح عدد ألحانه في كل منها، من ثمانية ألحان إلى اثني عشر لحنا، وبلغ عدد أغنياته المسرحية خمسمائة وثمانين لحنا حتى حظي كثير منها بشهرة واسعة، وتضمنت مسرحياته نقدا عنيفا وحكما، وتصوير للأوضاع الاجتماعية، واستخدم أسلوب تمثيل الممالك الخيالية لنقد السلطة، وكان متفوقا على أقرانه في هذا الفن المسرحي، حيث كان غزير الألحان.
واستطاع زكريا احمد أن يطور شكلين من أهم أشكال الغناء العربي، هما “الطقطوقة” و”الدور” وأسهم في تطوير أشكال أخرى، لكن تطويره لم يمس آلات الموسيقى العربية أو المقامات أو الإيقاعات، حيث أسس تطويره على ملامح عربية أصيلة، فحفظ المضمون وبدل في الأشكال، منطلقا من الأشكال الأصلية.
وفي الخامس عشر من شهر فبراير من عام 1961م توفي هذا الموسيقار العملاق بعد جهاد طويل في سبيل الدفاع عن الألحان الشرقية والعمل على انتشارها حماية للذوق المصري الأصيل .