عرف الإنسان حرفة الحياكة (الخياطة) منذ القدم، وذلك لحاجته الضرورية إلى الكساء لستر العورة واتقاء البرد والحر، والحياكة هي مهنة أصيلة عمل بها بعض الأنبياء كالنبي إدريس عليه السلام، وقد روى عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان يخيط ثوبه بنفسه.
وفي عصور الحضارة الإسلامية، اهتم المسلمون اهتماماً بالغاً بتنوع الأقمشة والألبسة والتفنن في تصميمها وخياطتها، وأقبل الخلفاء والسلاطين والأعيان على المنسوجات يسرفون في اقتنائها، ويحملون النساج على التسابق في إجادة نسجها، وابتداع أشكال جديدة من الأزياء بمختلف أنواعها، وقد تأثرت تلك الأزياء إلى حد بعيد بأساليب وأزياء البلاد التي فتحها المسلمون.
وكان لباس الرجال في تلك العصور من الأقبية والسراويل والقمصان والقفاطين الفضفاضة الواسعة، فضلاً عن القلانس والطيلسانات والجوارب والعمائم وغيرها، أما النساء فكن يرتدين الرداء والإزار والسراويل المذيلة والريطة والصدار والغلائل والمجول أو الدرع والخمار والعصابة.
وكان العرف السائد الخاص بالملابس في المجتمع الإسلامي منذ عهد هارون الرشيد أن يرتدي أهل الذمة “الزنار” وهو حزام رفيع يتدلى من الوسط ، وكان اليهود يلبسون “براطيل” طويلة، وهو غطاء للرأس عندهم أما النصارى فكانوا يلبسون “البرانس” وكانت عمامة المسلم تمتاز بلونها الأبيض ، بينما كانت عمامة الذمي تُعرف بلونها الأسود أو الأزرق .
وقد أمدتنا أوراق البردي العربية بمعلومات قيمة عن بعض الآلات والمستلزمات المستعملة قديماً في مهنة الحياكة مثل المقص والإبرة والحشوات التي تُستخدم كبطانة لبعض الملابس ، ودلتنا هذه الوثائق أيضاً إلى أماكن بعض قاعات الحياكة ، التي كانت بمثابة بيوت أزياء تصمم أخر صيحات وموضات العصر في ذلك الوقت ، وكانت بينها قاعة بظاهر القاهرة خارج باب القنطرة ، وأخرى بدرب الفجالة ، وثالثة بحارة الباطلية ورابعة بدرب الثمار .
وكان المحتسب يمر بهذه القاعات ويأمر الخياطين بإجادة التفصيل وحسن فتح طوق الصدر واعتدال الأكمام ، ومراعاة أن تكون الإبرة بالغة الدق حتى لا تفسد الثوب ، وأن يؤخذ الثوب بالوزن ويرد إلى صاحبه بالوزن وفي الوقت المحدد للاستلام وفي الوقت المحدد للاستلام من دون مماطلة، وكان المحتسب أيضاً يأمر صانع القلانس بصنعها من القماش الجديد من الحرير أو الكتان ، وألا يصنعها من الخرق البالية المصبوغة .
تطورت صناعة الملابس في العصر المملوكي وازدهرت فيه ازدهاراً كبيراً ، وكان هذا التطور نتاج العصور الأموية والعباسية والفاطمية السابقة عليه، والتي اشتهرت بالترف والاهتمام المبالغ فيه بأنواع الملبوسات ، وقد تجمعت كل هذه الخبرات في العصر المملوكي وظهرت أزياء جديدة تناسب أذواق العصر .
وكانت الملابس في العصر المملوكي على نوعين ، الملابس الداخلية وهي مايسميه المؤرخون والرحالة “التبان” ويستخدم لستر العورة ، والملابس الخارخية بأنواعها وأشكالها المختلفة ، ومنها “القميص ” وهو من الألبسة الشعبية الشائعة في العصور الإسلامية المختلفة ، وهو ليس كالقميص الذي يرتديه الناس في عصرنا الحالي، لكنه ثوب واسع أشبه بالجلباب ، والقميص هو الاسم العربي الصحيح الوارد في القرآن الكريم ، ويلبس القميص مع الرداء أو مع الجبة ، وقد يأتزر فوقها ، وكان يطلق عليه في العصر المملوكي ، الثوب التحتاني ، وذلك لكونه من الملابس الداخلية للرجال والنساء على حد سواء ، ومنه الطويل الذي يغطي جميع الجسم ومنه القصير الذي يصل إلى منتصف الساق .
ومن الملابس الشائعة أيضاً في تلك العصور “السراويل” وهي ثياب تغطي الجزء السفلي من الجسم ، وكلمة سروال مشتقة من الكلمة الفارسية “شلوار” وكان الرجال يضعون الدنانير والدراهم في جيوب شراويلهم أما النساء فكانت سراويلهن من الملابس الداخلية ، وقد تعددت أشكال السراويل من حيث الألوان والتصميم والطول والسعة ، غير أن عامة الناس كانت ترتدي السراويل البيضاء المذيلة ، وكانت تربط بوساطة حزام يُسمى “التكة” وهو جزء مكمل للسروال.
أما “الأردية” فكانت تُلبس فوق الثياب كاعباءة ، ويدل على تردد ذكر الأردية في المصادر العربية على كثرة استعمالها قديماً ، كما يدل اسمها على أنها كانت تُلبس في ظاهر البدن.
والرداء عبارة عن قطعة كبيرة من القماش غير مخيطة ، وقد يصل طول الرداء إلى الأرض ، وله فتحة رقبة مستديرة بأكمام .
كان السلاطين ينعمون على رعاياهم بالأردية الفاخرة التي كانت تُعد من الخلع النفيسة في ذلك الوقت ، وكان الأدباء والشعراء يرتدون أردية سوداء ، أما الوزراء وكبار رجال الدولة فكانت لهم أردية خاصة بهم تسمى “الدراعة” وهي مشقوقة من الأمام بأزرار من الذهب واللؤلؤ.
“الإزار” أو المئذر ، وهو عبارة عن قطعة قماش كبيرة غير مخيطة تُلف على أسفل البدن ، ولا يزال يُستعمل في بعض البلاد العربية والإسلامية حتى الآن ، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم إزاراً من نسيج عمان طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعان ، ويأتزر من فوق السرة إلى نصف الساق ، ويلفح أعلاه ويعقد عند المحزم عقده يُسمى موضعها “الحجزة” وهو من ألبسة الرجال والنساء ، وألوانه الأكثر شيوعاً الأبيض ثم الأزرق ثم اللون الذي تغلب عليه الحمرة والصفرة . أما النسيج الذي يُصنع منه الإزار الفاخر ، فيكون غالباً من الصوف أو القصب والخز ، أما الإزار الرخيص فيصنع من أقمشة قطنية وكتانية.
وقد تطور الإزار في عصور الحضارة الإسلامية عندما تفنن النساج في خياطته وحياكته ، فوضعت فيه الزنانير وخيوط الإبرسيم والذهب كي يزيدها جمالاً وأناقة ، وقد استخدم الإزار في العصر المملوكي وكان من الملابس الخارجية إلى جانب استعماله من الملابس الداخلية .
“القلنسوة” وهي غطاء مستدير للرأس ومبطن من الداخل ، ويُصنع من القماش أو الجلد أو الصوف أو الحرير ،وتختلف أشكال القلانس وتتنوع بحسب المناسبة التي تُلبس فيها ، كالقلانس المجالسة وتُلبس في مجالس المنادمة والسمر ، وتكون موشاة ومذهبة.
وفي أغلب الأحوال كان الناس لا يلبسون القلانس بمفردها ، بل يجعلون فوقها العمائم، وتنوعت الأكسية وتوابعها إضافة إلى ما سبق فكانت على النحو التالي :
* “الزنار” نوع من الأحزمة التي لبسها أهل الذمة ، وكانت له أشكال مختلفة ، فمنه العريض الذي يُربط حول الوسط ويتدلى طرفاه من الأمام ويصل إلى الركبتين ومنه الرفيع ويربط حول الجبة وهو أشبه بالطرحة مربعة الشكل ، وكان يُلقى فوق غطاء الرأس بحيث يغطى جزءاً من الوجه.
* “القباء” وهو لباس خارجي للرجال فارسي الأصل ، وكان يُطوى تحت الابط بصورة منحرفة ، وكانت أكمامه ضيقة وقصيرة .
وكان القباء لباساً رسمياً لرجال الدولة العباسية وتطور في زمن “المعتصم” الذي استحدث الأكمام الواسعة وجعل له شقاً من الخلف . وقد لبس القباء السلاطين والأمراء والأعيان في العصر المملوكي ، وكانت أقمشته وزخرفته تبعاً لطبقات الشعب والمناسبات التي استعمل فيها .
* “الطيلسان” وهو نوع آخر من الأكسية فارسي الأصل أيضاً ، وهو عبارة عن كساء مدور يوضع فوق الكتف أو فوق الرأس ويتدلى على الجبين ، وقد لبسه القضاة والفقهاء اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم .
* “العباءة” وهي من ألبسة الرجال المعروفة ولا تزال تلبس حتى اليوم ، وتكون قصيرة فضفاضة ومفتوحة من الأمام لا أكمام لها ويوجد بها فتحتان جانبيتان لإخراج الذراعين ، وتنسج غالباً من نسيج غليظ مثل الصوف المبروم ، وتلبس فوق الثياب .
* “الجبة” من الملابس الخارجية للرجال ، وذات أكمام واسعة وفضفاضة ، وهي رداء يُلبس فوق الملابس أيضاً ، وتكون مفتوحة من الأمام . والجبّة من شعائر السلطنة، وكان من ملابس رجال الدين والولاة .
* “العمامة” وهي تيجان العرب العرب كما قال عنها عمر بن الخطاب ، وهي ما يُلبس على الرأس تكويراً ، وقد تكون تحتها قلنسوة ، وتنوعت أحجامها وأشكالها حسب منزلة الناس الاجتماعية .
* “الملحفة” وهي اللباس الذي فوق سائر الألبسة ، وتكون الملاحف ملونة بالأصفر أو الأحمر ، وتعتبر من لباس العامة والبدو .
* “الملاءة” وهي من ألبسة الرجال في الحجاز والكوفة والشام ، وذكر بعض المؤرخين أن الملاءة والربطة هما الملفحة .
* “الغلالة” وهي ثوب رقيق يُلبس تحت ثوب سميك ، وإذا كانت الغلالة من قطعتين سُميت ربطة ، وهي من ألبسة النساء الشفافة .
* “الخمار” وهو حجاب المرأة ويُسمى القناع أو البرقع ويغطي مقدمة العنق ويستر معظم الوجه ، ويكون معلقاً بقمة الرأس . وكان لبس الخمار مقصوراً على الحرائر ، ثم أخذت الإماء يلبسونه تنفيذاً لتعاليم الشرع
* “العصابة” وهي طرحة من الحرير مربعة الشكل سوداء اللون ، لها حاشية حمراء أو صفراء ، وكانت تطوي بصورة منحرفة ثم تلف بها الرأس وتتدلى من الخلف بعقدة وحيدة .
وعرفت البلاد الإسلامية أشكالاً أخرى من الأزياء والملابس، مثل البردة والشملة والخميصة والسيلة والمشنقة والبرنكان والفرجيه والحياصة والبقيار . . وغيرها من الأزياء التي جعلت الرجل المسلم في ذلك الوقت أكثر الرجال أناقة في عصره.