جهاز لتفتيت الحصوات بنبضات الهواء : لم يكن المهندس المصري “خالد ياسين” يعلم حين قام بإصلاح جهاز تفتيت الحصوات (سويسري) بأحد المستشفيات أنه يضع أولى لمسات ابتكاره لتفتيت حصوات الكلى بالهواء، الذي تفوَّق على نظيره العالمي، ونال شهرة عالمية، وينافس الآن أحدث الأجهزة في هذا المجال.
عقلية تبحث عن الجديد:
تبدأ قصة المبتكر الشاب مع الابتكارات حين عمل في صيانة وإصلاح الأجهزة الطبية بمستشفى شبين الكوم بمحافظة المنوفية، ثم مستشفى المطرية التعليمي، إلى أن استقر المطاف به في المعهد القومي للكلى والمسالك البولية بالمطرية؛ إذ تركزت هوايته في ابتكار وتطوير الأجهزة الطبية.
يروي “خالد ياسين” أن الدكتور “إبراهيم أبوالفتوح”- مدير المعهد- اكتشف هوايته، فشجعه بدرجة كبيرة، واستفاد كثيرًا من مناقشاته، وفي إحدى المرات كان يناقش مشكلة استخدام إبرة معينة لعلاج سلس البول عند بعض السيدات، وعدد مرات دخولها وخروجها في بطن المريضة، ونجح “خالد” في اختراع إبرة مزدوجة تدخل إلى بطن المريضة مرتين فقط عند إجراء العملية، وقد لقي الابتكار نجاحًا كبيرًا.
ثم واصل “خالد” مشواره مع الابتكار، فعكف على دراسة شنيور- حفار- العظام، الذي يعمل بالهواء، والشنيور الآخر الذي يعمل بالكهرباء، ونجح في دمجهما في جهاز واحد يعمل بالهواء والكهرباء حسب الحاجة.
وعلى الرغم من أن ثمن الشنيور الكهربي يصل إلى 35 ألف جنيه مصري، والهوائي إلى نحو 70 ألف جنيه، إلا أن ابتكاره الجديد لم تزد تكلفته عن ألفَي جنيه. ثم اتجه “خالد” إلى تصميم شافطات جديدة للدم، وابتكار كابلات للأجهزة (الدياسرمي) المستخدمة في كيِّ الأوعية الدموية.
ملابسات الابتكار:
حول ملابسات ابتكار جهاز تفتيت الحصوات بالهواء يقول “خالد”: “في أحد الأيام استدعتني إدارة المستشفى لإصلاح مقبض جهاز تفتيت الحصوات، وبعد أن قمت بإصلاحه اكتشفت ضرورة استبدال المقبض بالكامل، وحينما أبلغت إدارة المستشفى بذلك أرسلوا إلى الشركة بهذا الخصوص، وتبين أن تكاليفه مرتفعة، وبعد دراستي للجهاز قمت بتصميم هيكل يطابق تمامًا مقبض الجهاز، ولم يكلفني كثيرًا، وحين سألت عن القيمة الإجمالية للجهاز علمت أنها تتعدى 80 ألف جنيه، فطلبت من المسئولين بالمستشفى فك الجهاز للاطلاع عليه، فرفضوا بشدة، إلا أنني استطعت في أثناء تركيب مقبض الجهاز أن أتوصل إلى ماهيته التي تتركز في خروج هواء متقطع، فأخذت أفكر في تصميم دائرة إلكترونية للوصول إلى هذا الغرض، وحين سألت أحد الأطباء المتخصصين في عمليات التفتيت أخبرني بأن الجهاز يُخرج 12 نبضة في الثانية، وخلال ستة أشهر تمكنت من التوصل إلى دائرة إلكترونية، ينتج عنها 15 نبضة في الثانية؛ ونظرًا لأن هذه الدائرة تُعتبر المحور الرئيس في عمل الجهاز قمت بتنفيذ بقية مكونات الجهاز بطريقتي الخاصة.
ويتكون الجهاز- كما يقول “ياسين”- من صندوق صغير، وذراع تفتيت لحصوات الحالب بأقطار مختلفة، وذراع أخرى لحصوات الكلى والمثانة، وذراع ثالثة لتفتيت حصوات الكلى من الفتح، ومدخل للتيار الكهربائي، وضاغط للهواء.
فكرة العمل:
تتلخص فكرة عمل الجهاز في قيام الطبيب بالضغط على الدواسة، فيتم قذف بلية عن طريق الهواء، فتسير في المجسات، فتصطدم بذراع التفتيت الذي يصطدم بالحصوة فيكسرها، ثم يتم التحكم في عدد الضربات عن طريق مفتاح لتحديد عدد النبضات في الثانية.
كما قام المبتكر باستخدام دواسة مزدوجة؛ حتى يتمكن الطبيب من التحكم في عدد النبضات بسهولة، بحيث تخصص إحداهما للضربات المتتابعة والأخرى للقذف ضربةً ضربة، ولا يشترط الجهاز وجود مساعد للطبيب كما في بقية الأجهزة، لكن الطبيب يستطيع أن يقوم بتشغيل الجهاز بمفرده.
وقد قام المبتكر بتعديل مقبض الجهاز بحيث يمكن التحكم فيه بشكل دائم.
مميزات الجهاز وكفاءته:
من أهم مميزاته انخفاض سعره بالمقارنة بالجهاز الأجنبي؛ إذ لا يتعدى سعره ربع ثمن الجهاز الأجنبي الذي يصل ثمنه إلى 15 ألف جنيه، وفضلاً عن ذلك فجميع مكونات الجهاز محلية؛ وهو ما يقلل الاستيراد، ويؤدي لتوفير العملة الصعبة.
ويقول المهندس “خالد ياسين”: “بعد انتهائي من إنجاز جميع المحتويات الداخلية والخارجية للجهاز أثبتت التجارب العملية كفاءته، فتقرر عرضه على المؤتمر الدولي للجمعية المصرية للمسالك البولية، واقترح الدكتور “محمود بازيد”- أستاذ جراحة المسالك البولية بمركز الكلى بالمنصورة- تقويم الجهاز من خلال الحالات المرضية المختلفة بمركز الكلى، وبالفعل تم وضع الجهاز تحت تصرف الأساتذة هناك، وبعد 4 أسابيع حصلت من المركز على شهادة تفيد بأن درجة تقييم الجهاز ممتازة، وطالب الأساتذة بإجراء عدد من التعديلات تؤدي إلى تعدد وظائف الجهاز وسهولة استخدامه، وبالفعل تم تنفيذها، وأصبح جهاز التفتيت المصري يفوق جهاز التفتيت السويسري من حيث الأداء والثمن.
الحصول على براءة للاختراع:
حول رحلته في الحصول على براءة للاختراع يشير إلى أنه حصل على البراءة في عام 2001م برقم 21150 بعد خمس سنوات من تسجيل الابتكار في أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر، بالرغم من أنه كان وقتها قد صمم الاختراع ونفذه، وباع منه عددًا من الأجهزة.
ويفسر ذلك قائلاً: لم أكن أعلم حينئذ بأهمية الحصول على براءة اختراع، ولم أتبين ذلك إلا حين أردت الاشتراك في أحد المؤتمرات، فاشترط مسئولوه الحصول على براءة اختراع أولاً، وبينما يؤكد أن الفترة التي يتم فيها منح البراءة طويلة بالنظر إلى تطور الأجهزة يوميًّا؛ وهو ما يقلل من قيمة الابتكار، يشيد في المقابل بدور الأكاديمية في مساعدة المخترعين على عرض مبتكراتهم في المعارض ومحاولة تسويقها، ولا يطلب المهندس “خالد” أن يتبنى أحد فكرته؛ لأنه يقوم بتنفيذها بنفسه من خلال شركته، لكنه يطالب بأن تسهل الدولة على المخترعين الشباب تسويق منتجاتهم في المؤسسات الحكومية؛ نظرًا لصعوبة ذلك نتيجة الإجراءات الروتينية التي تشترطها تلك الجهات.
ويشير المبتكر إلى أنه قام بإنشاء مركز خاص لتدريب المخترعين يضم حاليًا 25 من شباب المبتكرين في مجال الأجهزة الطبية لصقل موهبتهم وتدريبهم بصورة جيدة.
رؤية المتخصصين:
حول رؤية الأكاديمين والمتخصصين للجهاز تقول المهندسة “جانيت إبراهيم”- مدير عام تنمية الابتكار والاختراع بأكاديمية البحث العلمي: “إن الحصول على براءة الاختراع يجب أن يكون بداية الطريق، وليس أقصى أحلام المبتكر”، مشيرةً إلى ضرورة الاهتمام بتطبيق الابتكارات المصرية للاستفادة منها، بدلاً من استيراد التكنولوجيا الذي يكلف مصر مبالغ طائلة.
ومن جهته يبدي الدكتور “حمادة الدمنهوري”- أستاذ جراحة المسالك البولية والمناظير بجامعة الأزهر- إعجابه الشديد، مؤكدًا أنه يستخدمه منذ سنوات دون حدوث أي مشكلة أو خطأ في أدائه، مشيرًا إلى أن التطوير الذي أدخله المبتكر على الجهاز جعله متميزًا بمراحل عن الأجهزة العالمية، ومتفاديًا للأعراض الجانبية الناتجة عن استخدام أجهزة الموجات فوق الصوتية والكهرومائية والليزر؛ لأنه يستخدم الطاقة الناتجة عن ضغط الهواء.
ومن جانبه، يشير الدكتور “إسماعيل خلف”- رئيس الجمعية المصرية لجراحي المسالك البولية- إلى أن الجهاز المصري لتفتيت الحصوات يستخدم في 4 جامعات مصرية، هي: المنصورة، وعين شمس، وقناة السويس والأزهر، وأن تلك الجامعات أشادت بالجهاز الذي يعادل المنتج الأجنبي في الكفاءة، فضلاً عن انخفاض سعره، وسهولة تحضيره للعمل وقلة أعطاله ورخص الصيانة؛ وهو ما أدى إلى أن يكون العائد الصحي والاقتصادي لتصنيع هذا الجهاز بمصر عالي القيمة.
الرأي نفسه أكده الدكتور “هاشم محمد رشوان”- مدير المستشفيات الجامعية بجامعة قناة السويس- مشيرًا إلى نجاح تفتيت أكثر من 400 حالة في الكلى والحالب والمثانة خلال السنوات الثلاث الأخيرة بكفاءة وبدون مضاعفات.
شهادات تقدير:
الابتكار حصل على عدد كبير من شهادات التقدير، منها شهادة برنامج رعاية الابتكارات والبحوث الصناعية بالهيئة العربية للتصنيع عن مسابقة أفضل الابتكارات الصناعية، وشهادة مشاركة من معرض الفاتح الدولي الثاني للاختراعات والإبداع الصناعي بليبيا.
بقيت الإشارة إلى أن هناك عددًا كبيرًا من المستشفيات والمراكز الطبية في مصر والعالم العربي يستخدم الجهاز، منها: مركز الكلى بالمنصورة، ومستشفى معهد ناصر بالقاهرة، ومستشفى سليمان الفقيه، والحمراء، وغسان فرعون، والأمين بالسعودية، ومستشفى جميل أحمد باليمن.