“الاختراعات الخردة”: شوائب التقدم الصيني
في العام الماضي، كان “جاو بوين” جزءاً من فريق تمكن من فك الشفرة الجينية للخيار، وهذه الأيام يقوم ببحث الأساس الجيني للذكاء البشري. أما عُمْر “جاو”، فهو 17 عاماً.
بعد مرور قرون على تزعمها العالم في الابتكار التكنولوجي -في البارود، والري، والطباعة- تشق الصين طريقها مرة أخرى إلى مصاف القوى العظمى في العلوم، حيث يقف العلماء والمخترعون الصينيون وراء نهضة جديدة في البحوث التي يمكن أن تغير العالم. كما يدفع علماء الصين المبتكرون، الذين لا يواجهون عبء القيود الاجتماعية والقانونية الموجودة في الغرب، حدود الأخلاق والمبادئ بينما يقومون بإنشاء “غرب متوحش” ومزعج بالنسبة للكثيرين في “الشرق الأقصى”.
قبل نحو عقد من الزمن، لم يكن أحد يعتبر الصين منافساً علمياً، حيث كان ألمع أبنائها وأكثرهم تفوقاً يفر من البلاد في إطار هجرة جماعية للأدمغة إلى مختبرات البحث الجامعية في هارفارد وستانفورد و”إم آي تي”. غير أنه خلال السنوات الخمس الماضية، قام علماء درسوا في الغرب ومقاولون جريئون ببذل جهود كبيرة، حيث قاوموا مخابئ البيروقراطية الصينية وأنشأوا معاهد وشركات بحوث.
وأغرت هذه الأخيرة أعداداً من الباحثين الصينيين الذين درسوا في معاهد وجامعات غربية بالعودة إلى الوطن، تحركهم الرغبة في تحويل جمهورية الصين الشعبية إلى قوة علمية عظمى. وفي هذا الإطار، يقول “راسموس نيلسن”، الاختصاصي في علم الوراثة بجامعة كاليفورنيا في بركلي والذي يتعاون مع نظراء صينيين: “لقد تقدموا بسرعة كبيرة وبشكل مفاجئ جداً لدرجة أن الناس مازالوا متشككين”، مضيفاً: “لكن علينا أن نتعود على الأمر، فثمة منافسة من الصين الآن. والواقع أن الأمور قد تغيرت بشكل جذري”.
لقد استثمرت الصين المليارات من أجل تحسين مكانتها العلمية، وبات لكل وزارة صينية تقريباً نوع من البرامج التي تروم تحقيق تفوق تكنولوجي في كل شيء، من الصواريخ إلى الأدوية.
وفي أوائل شهر يوليو، من المنتظر أن يزور وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني “وان جانج” الولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن يستعرض النجاحات التي حققتها الصين، ومن بينها، على سبيل المثال، جهاز كمبيوتر قوي أُنتج في الصين وصُنف كثاني أسرع جهاز في العالم في مايو الماضي خلال مؤتمر دولي بألمانيا. كما تحتل الصين اليوم المرتبة الرابعة فيما يخص عدد أجهزة الكمبيوتر القوية. وإضافة إلى ذلك، قفزت الصين إلى المرتبة الثانية -من المرتبة الرابعة عشرة في عام 1995- وراء الولايات المتحدة مباشرة فيما يتعلق بعدد مقالات البحوث التي تنشر في الدوريات العلمية والتقنية المتخصصة على الصعيد العالمي.
وبدعم من مؤسسة “بيل وميليندا جيتس”، تفوق باحثون طبيون صينيون، بشراكة مع إحدى الشركات الأميركية، على فريق هندي العام الماضي في تطوير اختبار جديد لسرطان عنق الرحم يكلف أقل من 5 دولارات. أما الهدف المنشود، فهو إجراء الاختبار لـ10 ملايين امرأة صينية في غضون ثلاث سنوات. كما تحسن المهندسون الصينيون كثيراً في مجال التكنولوجيا الغربية والسوفييتية لتحويل الفحم إلى غاز في إطار جهود بمليارات الدولارات تروم إنشاء طاقة صينية خضراء. وفي هذا السياق، يقول “إس. مينج سانج”، ممثل “وحدة الهواء النظيف” في آسيا والمحيط الهادئ، وهي كيان غير ربحي يوجد مقره في الولايات المتحدة، ومدير سابق في شركة “شل” النفطية: “إن العمل موجود… ففي الولايات المتحدة، يوجد الكثيرون ممن يقومون بالبحوث الجامعية، أما هنا، فهم يفعلون أشياء ملموسة”.
وفي هذه الأثناء، يبدو أن الباحثين العسكريين الصينيين في بداية اختراع مهم: صاروخ باليستي مضاد للسفن يطلق من البر، وهو ما يسبب قلقاً للقوات البحرية الأميركية. وفي عام 2007، اكتشف صينيون مختصون في علم الوراثة اختلافات كبيرة في التكوين الجيني للأفارقة والآسيويين والقوقازيين. وقريباً، سيعلنون عن اختراع يشرح لماذا يستطيع بعض الأشخاص -مثل سكان التيبت- العيش بشكل طبيعي في أماكن مرتفعة، بينما لا يستطيع آخرون.
غير أن ثمة عدداً من التحديات، ذلك أن الصين مازالت تعد ضعيفة في الابتكار، كما أن البيروقراطيين الصينيين يقومون بشكل روتيني بتقويض الاكتشافات. ففي 2008 مثلاً، منحت وزارة العلوم والتكنولوجيا الباحثين مهلة عامين لابتكار 30 دواءً جاهزاً للاختبارات الكلينيكية وخمسة أيام فقط للتقدم بطلبات الاستفادة من منح لتمويل المشروع. هذا رغم حقيقة أنه منذ الثورة الشيوعية عام 1949، لم تقم الصين بتطوير سوى دواء واحد معترف به دولياً هو “الأرتيميسينين” لمحاربة الملاريا.
وإضافة إلى ذلك، فإن قطاع العلوم والتكنولوجيا الصيني تشوبه عمليات احتيال وممارسات مثيرة للقلق أحياناً، ذلك أن أكثر من 200 مؤسسة في الصين تمارس علاجات الخلايا الجذعية المثيرة للجدل لأشخاص يعانون من جروح أو أمراض أو تشوهات خلقية. ورغم أن الحكومة قد تحركت العام الماضي لتنظيم وتقنين قطاع البحث العلمي، فإن أياً من التقنيات المستعملة لم يخضع لتجارب إكلينيكية صارمة. كما تعد الصين المصدر الأبرز لـ”براءات الاختراع الخردة”، وهي ادعاءات اختراع لمحتالين.
“هذا الاختراع سيهز العالم!”، يقول “ليو جيان”، وهو المدير التنفيذي لإحدى شركات الأسمدة، موضحاً أنه طور طريقة لخفض استعمال الأسمدة بالنصف عبر استعمال تكنولوجيا “النانو”، وإن كان مسؤولون في وزارة الزراعة يسخرون من ادعائه. ثم سأل في حوار معه: “هل ستساعدوننا على جمع بعض المال؟”.
جون بومفرِت – شينجين، الصين
نقلا عن جريدة الاتحاد الإماراتية