على مر العصور قطعت التكنولوجيا شوطا كبيرا للأمام من خلال مزج المواد، فعلى سبيل المثال فإن اختراعا قديما مثل الخرسانة المستعملة في البناء هو مزيج من المواد يستفيد من أفضل الصفات التي تتكون منها كل مكوناته، أنتج في النهاية ما هو أقوى من كل مكون على حدة، فهو أكثر صلابة من الرمل، والحصى والإسمنت منفردا.
أما خليط الفيبرجلاس فهو مزيج من الزجاج والبلاستيك غير شكل المنتجات الصناعية وصنعت منه القوارب والعديد من الأجهزة.
ويستخدم تعبير الألياف الزجاجية (الفيبرجلاس) غالبا للدلالة على القوالب المقواة أيا كان نوع المادة المستخدمة في التقوية، برغم أن هذا التعبير يشير إلى الإنتاج الذي تستخدم فيه الألياف الزجاجية في عملية التقوية، ويبدو أن ذلك يرجع إلى شيوع استخدام الألياف الزجاجية في معظم المنتجات المقواة مقارنة بغيرها من مواد التقوية.
ومن المنتجات البلاستيكية المقواة هياكل السيارات، حشوات الأسطح والجدران، العصي المستخدمة في رياضة القفز بالزانة، مقاطع الطائرات، خوذات السلامة والقوارب.
أما الألياف الضوئية (الفيبرأوبتكس) فهي خليط أيضاً من الزجاج وبوليمرات البلاستيك ينقل الضوء ويسهم في سرعة نقل البيانات مما ساعد على تطوير صناعة الكمبيوتر.
والآن يتسابق مطورو التكنولوجيا لمزج الأنابيب النانومترية وغيرها من هياكل الكربون الدقيقة للغاية مع البوليمرات، وتصل أحجام هذه الهياكل الدقيقة إلى أجزاء من المليار من المتر، ولهذا يطلق عليها تراكيب نانوية.
مادة حديدية استثنائية
بعد إجراء العديد من الدراسات المهمة تأكد العلماء من أن الأنابيب النانومترية هي واحدة من أقوى المواد المعروفة في العالم، فهي أقوى بكثير من الصلب في قوة الشد، وبخلط مقدار يصل إلى واحد في المائة من الأنابيب النانومترية مع البلاستيك فيمكنه تحسين ومضاعفة بعض الخصائص الميكانيكية للبلاستيك.
ويستطيع مزيج من الأنابيب الجزيئية مع البوليمرات توصيل الكهرباء ويمكنه أيضاً أن يعمل بمثابة أشباه الموصلات مما يرشحه بجدارة للاستخدام في صناعات كثيرة منها صناعة أجهزة الكمبيوتر أو الألواح الشمسية.
ولا تمثل الأنابيب الكربونية النانومترية كل ما يمكن الحصول عليه من تجمع ذرات الكربون على المستوى النانومترى، ولكنها من الممكن أن تشكل صفائح رقيقة تسمى “جرافين، ومواد أخرى تعرف بـ الماس النانوى، وهو تعبير يصف مواد جديدة تشبه غبار الماس، فماذا يحدث عندما يتم إضافة اثنين من هذه المواد المضافة النانوية إلى البوليمر؟
أظهرت تجارب حديثة تم الإعلان عنها الأسبوع الماضي أن مضاعفة المواد المضافة إلى الخليط السابق قد أنتجت مادة حديدية “استثنائية”، نجحت في تحسين مقاومة وصلابة البلاستيك، وأدى تعزيز البوليمرات البلاستيكية بعدة مواد من الهياكل النانوية الكربونية إلى زيادة مقاومة وصلابة البوليمرات بنسبة تصل إلى 400 في المائة، مقارنة مع نفس البوليمر المعزز بنوع واحد من الأنابيب الكربونية، وقد أجرى هذه الدراسة علماء وحدة كيمياء وفيزياء المواد بجامعة “جواهر لال نهرو” والمركز المتطور للبحوث العلمية ببنغالور الهندية!
التحسين التآزري!
وعلى الرغم من أن الأنابيب النانومترية تساعد على تحسين قوة البوليمرات، فإن إضافة نوع واحد من الأنابيب الكربونية منفردا قد يؤدي إلى تجمع بعض الأنابيب النانومترية ويخفض قدرة الخليط على التجانس والتماسك، ولكن الإضافة المزدوجة للهياكل الكربونية أدت إلى تحسين مزج هذه المواد ومنع تراكم الهياكل الكربونية، وأظهرت إضافة خليط من عدة مواد كربونية نانوية زيادة في خصائص القوة والصلابة أكثر من المتوقع؛ ولذلك وصفها العلماء بالتعاضد أو ما يعرف حاليا بالتحسين التآزري Synergistic Improvement.
وأظهرت النتائج البحثية أن هناك زيادة كبيرة لقوة وصلابة البوليمر الناتج عن خلط أنواع مختلفة من هياكل الكربون النانوية أكبر من الزيادة التي كان من المفترض أن تظهرها أي منها بشكل مستقل حال إضافتها دون الأنواع الأخرى.
وقال العلماء إنه من غير المؤكد تماما لماذا يستطيع زوج من الأنابيب النانومترية، وصحائف الجرافين، والماس النانوي التآزر بقوة مقارنة بإضافة هيكل واحد من هذه المزائج؟ ولكن اقتران صحائف الجرافين بالماس النانوي أظهر أقوى صلابة في المواد الجديدة التي تم إنتاجها، وتعزى هذه القوة الجديدة إلى أن صحائف الجرافين تمنع الماس النانوي من التراكم، وأن الماس النانوي يؤدي إلى منع صحائف الجرافين من التمزق.
وأظهرت البحوث الحديثة أن مزيجا من صحائف الجرافين، والماس النانوي أظهر أعلى درجات التحسين التآزري، وتبعه في القدرة على تحسين القوة والصلابة مزيج من الأنابيب الكربونية وصحائف الجرافين، كما أدى خلط الثلاثة أنواع معاً – الأنابيب الكربونية، صحائف الجرافين، والماس النانوي – إلى ظهور نتائج مثيرة للاهتمام، فقد أظهرت النتائج تحسناً كبيراً في الخصائص الميكانيكية.
كما أظهرت البحوث أن خلط الماس النانوي مع الأنابيب النانومترية أو الجرافين يمكن أن يتسبب في تغييرات كبيرة في شكل المواد الظاهري وأشكال التشتت وتغيير التفاعلات الكيميائية في النطاق النانوي وجميع الآليات التي تتحكم في الخصائص النانومترية للمركبات البلاستيكية.
ومواد الفيبرجلاس أيضا تشكل حالة كلاسيكية من حالات التآزر، وهى تتشكل من مزيج من البلاستيك والراتنجات مع ألياف زجاجية، ويعوض الزجاج في هذا المزيج ضعف قوة الشد في البلاستيك، كما يعوض البلاستيك هشاشة الزجاج وكلاهما يساعد في تعويض نقاط الضعف في بعضهما البعض.
الحذر واجب
ليس هناك شك في أن الأنابيب النانومترية الكربونية سوف تستخدم في نطاق كبير في المستقبل” ومع ذلك، سوف يتعين القيام بالمزيد من الأبحاث لإيجاد أفضل التشكيلات اللازمة للقيام بتطبيقات محددة، ولكن هناك منافسة كبيرة لتسويق مواد من البلاستك أو البوليمرات الهجينة التي تعتمد على تقنية النانو لإنتاج مواد قوية وخفيفة الوزن تصلح لصناعة أجزاء من الطائرات، وسفن الفضاء والمعدات الرياضية، وغيرها من المواد الجديدة.
وتسيطر صحائف الجرافين على مستقبل هذه التقنية؛ نظراً لأنها أرخص بكثير من الأنابيب النانومترية، وربما تكون أيضا أكثر أمانا، فقد اظهر تقرير نشر في مجلة “نيتشر نانوتكنولوجى Nature Nanotechnology في عام 2008 أن طبيعة الأنابيب النانومترية تماثل الإسبستوس، كمادة تتكون من جسيمات صغيرة حادة يمكن أن تتسبب في سرطان الرئة المميت، وقد أدى إدخال الأنابيب النانومترية الكربونية في الفئران إلى نتائج مشابهة لتأثيرات الإسبستوس، ولهذا هناك أهمية كبيرة لإجراء المزيد من البحوث لدراسة التأثيرات الصحية للأنابيب النانومترية الكربونية؛ لأنها تكنولوجيا واعدة تضخ فيها أموالً طائلة ويتواصل الاستثمار فيها بكثافة لإنتاج مجموعة واسعة من المنتجات الحديثة التي تتداخل في جميع مناحي الحياة.
طارق قابيل
المصدر: إسلام أون لاين