شخصيات دينيةمبدعون

علال الفاسي .. العالم الداعية المجاهد

علال الفاسي عالم مجدد وشخصيته شمولية متعددة المواهب والجوانب ومفكراً إسلامياً رحب الآفاق، بعيد الرؤى واضح الرؤية والأسلوب والتفكير والتنظير والتقدير، وهو واحد من جيل العمالقة بنزعته الإسلامية وتوجهه الفكري وأسلوبه العلمي والأدبي وقدرته الفائقة على الخطابة والبيان وسلفيته الممزوجة بالحركة والسياسة والتنظيمية .

مولد علال الفاسي

ولد علال الفاسي في مدينة فاس المغربية في يناير سنة 1910 من أسرة عربية مسلمة تعتز بعروبتها وإسلامها وجهادها في سبيل الله .
هاجرت من الأندلس إلى المغرب واستقرت في مدينة فاس واليها انتسبت ، وهى أيضا أسرة علم وفضل ودين فأبوه عبد الواحد كان من كبار علماء المغرب وكان مدرساً في جامعة القرويين وكان قاضياً ومفتيا وكذلك كان أجداده من العلماء والقضاة والمجاهدين .
علال الفاسي .. العالم الداعية المجاهد
علال الفاسي .. العالم الداعية المجاهد

الحياة الدراسية لـ علال الفاسي

بدأ حياته الدراسية على يد أبيه العالم الجليل أولاً ثم أرسله إلى الكتاب فتعلم فيه مبادئ العلوم العربية وحفظ القرآن الكريم ثم درس في القرويين إلى أن نال شهادة العالمية عام 1932 وكان فيها من المتفوقين ذلك انه لم يكتف بالكتب المقررة وهى مهمة وكثيرة وكبيرة بل أضاف إلى المقرر ما كان يجده في مكتبة أبيه العامرة بالكتب فيدرسها بعمق حتى تحصلت لديه ملكة علمية قادته إلى التضلع بعدد من العلوم العربية والتاريخية والشرعية والفلسفية، جعلت منه عالما دقيقاً في أبحاثه ومفكرا من كبار المفكرين الإسلاميين وخطيباً مفوها ناصع البيان عذب الأسلوب .
لقد عنى أبوه بتربيته العربية الإسلامية التي يرضى عنها الله تعالى وتؤهله لخدمة دينه ووطنه وشعبه وأمته ويكون بها ماجدا وعاملا لاستعادة أمجاد أمته وإسلامه رباه على الشجاعة والإقدام وعدم الخوف إلا من الله العزيز الجبار، ورباه على الجود والكرم وعلى الجرأة في قول الحق والاتزان في إصدار الأحكام في تأن وروية، ورباه على الاستقامة في السلوك والاستقامة في الفكر وعلى الدأب في العمل وإتقان ما يوكل إليه منه، رباه على حب الوطن والجهاد في سبيل الله وفي سبيل إنقاذ الوطن من براثن الاستعمار مهما كلفه ذلك من ثمن .

بيئة القرويين

كانت بيئته التي تنفس فيها طفلاً وفتى يافعاً وشاباً نشأ بها في طاعة الله .. بيئة فاس المدينة العربية المسلمة، وبيئة القرويين الأدبية المجاهدة التي كان يدرس فيها أبوه، فتعاونت مع أبيه ومع علمائها الأفاضل على تكوين شخصية القائد الزعيم والعالم المجدد والمجاهد المقدام المستبسل في سبيل ما آمن به علال الفاسي ..
فعلال ابن القرويين وسليل أسرة علمية تعتز بإيمانها وإسلامها وعروبتها، وطالما كافح أبناؤها العلماء للحفاظ على عقيدة الأمة، ونشر الإسلام بمبادئه ومكارم أخلاقه .
ومما تأثر به أيضا الدعوة السلفية التي نادى بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، لتتخذ على يده صبغة جديدة تتسم بطابع الشمول لكل جوانب الفكر والروح والعمل فأصبحت تهتم بالبناء إلى جانب اهتمامها بالهدم، وتبلورت في دعوة قوامها التجديد لمظاهر الحياة الإسلامية للعقل والدين والعلم وطريقة المعاش والحكم وغير ذلك من المعاني .
علال الفاسي .. العالم الداعية المجاهد
علال الفاسي .. العالم الداعية المجاهد

مؤلفات علال الفاسي

مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، المدخل لدراسة النظرية العامة للفقه الإسلامي ، دفاع عن الشريعة ، عقيدة وجهاد ، الحماية الاسبانية في المغرب من الوجهة التاريخية والقانونية، مهمة علماء الإسلام ، الإسلام وتحديات العصر ، تاريخ التشريع الإسلامي ، نضالية الإمام مالك ومذاهبه …
ومن كتبه أيضا : الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، وجاء في جزأين كتبه وهو في القاهرة بطلب من رئيس الدائرة في جامعة الدول العربية الدكتور أحمد أمين الذي أراده أن يكتب فصلا عن حركات التحرر العربي في المغرب العربي، فألف كتابا كبيرا من جزأين عرف فيه عرب المشرق والمغرب بحركات التحرر في أقطار المغرب العربي الجزائر وتونس والمغرب كتب عن كفاحها من أجل الاستقلال ومن أجل الوحدة والنهوض .
وكتاب النقد الذاتي وهذا من أهم كتبه مع أنه كتبه في وقت مبكر من حياته صدر عام 1954 أراده برنامجا للحركة الوطنية شرح فيه مبادئه وأفكاره وتصوراته وعالج فيه قضايا فكرية وثقافية ودينية واجتماعية واقتصادية وسياسية ونفسية.
ولم يغفل العلامة المجاهد علال الفاسي شئون حبات القلوب أحبائنا الصغار، فنظم لهم من شعره الرقيق وأخرج لهم ديوان رياض الأطفال شعرا سهلا يستطيعون فهمه وحفظه وإنشاده، وزوده بالرسوم المحببة للأطفال ثم قدم لهم شعرًا قصصيًا جميلاً كما أنه كان شاعرًا مجيدًا، وله ديوان كبير من أربعة أجزاء وشعره فيه كشعر سائر الشعراء الثائرين أصحاب القضايا الوطنية والتحررية والرسالية، إنه شعر خطابي استطاع به إلهاب العواطف وإثارة المشاعر نحو القضايا التي تهم الشعب والأمة، شعر ملتزم بالإسلام وقيمه دعا إلى أن يكون الإسلام محور حياة الأمة، فهو صاحب رسالة في شعره يوظفه لحملها إلى الناس، وكان أداة ماضية في مسيرة الحياة يعبر عن همومه وأشجانه وعن تطلعاته في مستقبل زاهر لهذه الأمة الماجدة التي نام عن أمجادها كثير من أبنائها الشعراء .

جهاد علال الفاسي ضد الاحتلال الفرنسي

وكان يجاهد الفرنسيين من أجل حماية الشخصية الإسلامية من الكهنوتية والإلحاد والقهر والفجور والدعارة والخمور كان يقول للناس: فرنسا لا تريد لنا تقدما إلا بالتفرنج والبعد عن العروبة والإسلام وعن كل ما يمت إليها بصلة من القيم والفضائل وإلا بنشر اللغتين الفرنسية والبربرية بدلاً عن اللغة العربية .
لقد كان عدوا لدود للاستعمار بشتى أشكاله وألوانه وخصما عنيدا للمتعاونين معه والمهادنين له، وكان المستعمرون يعرفون هذا منه ويقفون في وجهه بقوة وهذا ما عرضه للاعتقال مرارًا، وكان في كل مرة يخرج من معتقله أشد إيمانا بقضيته واستمساكا بها، ورفضًا لأي تفاوض مع المستعمر إلا بعد الجلاء والاستقلال.
في عام 1930 اعتقلته السلطات الاستعمارية على إثر المظاهرات التي قاد بعضها، وشارك في بعضها الآخر ضد مشروع الظهير البربري، وضربوه وعذبوه ثم نفوه. وفي عام 1937 أعادوا اعتقاله ونفوه إلى الجابون في إفريقيا الاستوائية، وبعد أربع سنوات عام 1941 نفوه إلى الكونغو خمس سنين أخرى.
لقد بذل علال الفاسي كثيراً من أجل فلسطين والقدس حتى آخر نفس من أنفاسه الطاهرة، فقد كان في بوخارست ينافح عن فلسطين والقدس عندما إصابته نوبة قلبية توفى على إثرها وهو يهتف بالعالم فلسطين عربية مسلمة وعاصمتها القدس الشريف، كان ذلك يوم الاثنين والعشرين من شهر ربيع الآخر عام 1394هـ الثالث عشر من مايو1974م ونقل جثمانه الطاهر إلى المغرب ووري في مثواه في مقبرة الشهداء في مدينة الرباط .
محمد سيد بركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى