نمي موهبتكأصنع بنفسك

كتابة القصة القصيرة.. خمسة تمارين ترافق الموهبة

لا توجد وصفة جاهزة لكتابة قصة قصيرة، فهي فن بديع يحتاج ابتداء إلى موهبة، قبل الدُربة والتجريب والصقل والتطور في الصياغة وصناعة الحبكة أو تصوير الموقف أو المشهد أو وصف الصورة أو تحويل الفكرة إلى فن.
وبذا يبقى أولئك الذين يأتون بغير موهوبين، ليعلموهم كتابة القصة، كما هي الحال في الرواية، أقرب إلى الادعاء منه إلى صناعة مسار أدبي حقيقي.

القصة القصيرة وورش الكتابة

لقد رأينا كيف انتعشت في الآونة الأخيرة ما تسمى “ورش الكتابة” واستقطبت قطاعا يتسع من الشباب ليتعلموا فن السرد. بعض هذه الورش انتهى إلى صياغة نصوص نهائية، نسبت لكاتب واحد أحيانا، أو إلى عدد الكتاب المشاركين في الكتابة، لكن هذا ينسى القاعدة الأساسية في الأدب، وهي أنه “إبداع ذاتي”، يعبر عن رؤية صاحبه حيال ذاته أولا، ثم مجتمعه، أو الكون برمته، أو التفاصيل التي تشكله، والقضايا الكبرى المطروحة على أفاريز الحياة، أو القضايا الصغرى التي تشغل الفرد.
لهذا يمكن أن نقول إن بوسع كاتب متمكن، أو قطع شوطا طويلا، في كتابة القصة أن ينقل خبرته لأولئك الذين يتلمسون خطاهم الأولى، أو يسعون إلى من يحكم على تجاربهم المبدئية، فيتعرض لها بالتقويم والتقييم والنقد والتهذيب والتشذيب، بحيث تجد سبيلها إلى الترقي أو التطور نحو إبداع فني أفضل، ينضج مع تقدم السنين.

الأدب ينادي صاحبه

فالأدب ينادي صاحبه، فيختاره شكلا أو نوعا أو تجربة للكتابة مختلفة عن الأشكال الأخرى، سواء من الكتابة الصحفية، بشتى ألوانها، أو الكتابة الأكاديمية التي لها مقتضياتها وطرائقها وأسلوبها التعبيري أو صياغاتها التي تسعى إلى نقلها من الذاتي إلى الموضوعي، ومن العام إلى الخاص، أو حتى كتابة الرسائل والخواطر والذكريات أو اليوميات، التي إن صاحبها السرد أو الوصف أو المجاز، فإنها تظل مختلفة عن القصة في صورتها المتعارف عليها، أو التي اصطلح النقاد عليها، وفي صيغها المبتكرة التي تشي دوما بأنها فن مفتوح على أشكال وطرق متعددة، تختلف من كاتب إلى غيره، وعند الكاتب الواحد من حالة إلى أخرى، وربما من عمر إلى آخر.

نداء فن القصة القصيرة

هذا النداء إن كان يخص فن القصة القصيرة، فإنه يتطلب ابتداء أن يكون الكاتب مقرا وقت جلوسه إلى الكتابة بأنه سيصيغ الفكرة أو الرؤية أو الموقف أو المشهد أو الصورة أو الحكاية، التي اختمرت في ذهنه، أو أمسك بخيطها الأولى، ويترك نفسه لها تتداعى، فارضة نفسها وفق صيرورتها الخاصة، لتكتمل في النهاية، صانعة قصة قصيرة.
ويمكن للكاتب الواحد أن يكتفي بكتابة القصة، معتبرا إياها الشكل الأدبي الذي ارتضاه وتآلف معه، ويجد فيه ما يعبر عن مكنونه. ويمكن للكاتب أن يكتب إلى جانب القصص أشكالا أخرى من الكتابة الأدبية مثل الرواية والمسرحية أو المتتالية القصصية أو السيرة الذاتية والغيرية، والشعر، بحيث تتخلل القصص الأنواع الأخرى، أو تسبقها أو تلحق بها.

الألوان السردية

والكاتب الذي أنتج عددا معتبرا من القصص بمفردها، إو إلى جانب ألوان سردية أخرى، يكون بوسعه أن ينقل خبرته هذه إلى من يتطلع إلى القص، سواء كان هذا النقل غير مباشر، من خلال إطلاع من هم في أول الطريق على منتجه القصصي، أو قيامه، وبطريقة مباشرة، بالتقاء الراغبين في التعلم، وجها لوجه، ليشرح لهم عدة أشياء تخص ما كتبه من قصص: أنواعها، وأساليبها التعبيرية، وحبكاتها، أو كيف بدأ؟ وكيف انتهى كاتبا معترفا به؟ وعليه هنا أن يوضح ما إذا كان قد كتب بعد اختمار القصة في رأسه واكتمالها، ثم جلس ليدون هذا على الورق، أو إن كان يعرف بداية القصة فقط، حين شرع في كتابتها، ثم راحت تكتب نفسها، غارفة من عقله الواعي تارة، والباطني تارة أخرى.

القصة لا تنشأ من فراغ

والقصة في العموم لا تنشأ من فراغ، إنما هي بنت التأمل العميق للشخصيات والمواقف والصور والمشاهد، التي يضج بها الواقع المعيش، لكن التأمل وحده لا يكفي، إنما يتطلب الانفعال بما نراه من سلوكيات وتصرفات وشخصيات وصور، ثم الاقتناع بأن هذا الانفعال يجد الطريقة المثلى في التعبير عنه في كتابة قصة، وليس شيئا آخر.
كتابة القصة القصيرة.. خمسة تمارين ترافق الموهبة
كتابة القصة القصيرة.. خمسة تمارين ترافق الموهبة

شروط القصة القصيرة

والقصة في خلاصتها فن أدبي، له شروطه، أو مقتضياته الفنية، لذا لابد له من أن يتبع ما يطلبه الأدب كشكل كتابي، وليس غيره. فالبعض يمكن أن يعبر عن انفعاله بكتابة مقال سردي، ثم يتوهم أن ما كتبه هو قصة مكتملة الأركان. وقد وقع في هذا العيب، ولا يزال، كثير من الكتاب، بمن فيهم أولئك الذي حققوا رسوخا واقتدارا مشهودا فيما بعد.
ففن القصة القصيرة العربية ولد في بدايته مبتورا عاجزا، يبحث عن طريق يخلص إليه ويسلكه، بين الكتابات الهائلة من المقالات التي كانت فن الكتابة السائد في الصحافة العربية، فاختلطت به القصص الأولى، وشيئا فشيئا، تمكنت من فك الارتباط مع المقال، وأخذت سبيلها إلى التطور، لتصبح واحدة من الفنون الأدبية، التي أنتج فيه الأدباء العرب آلاف القصص، بعضها لا يقل عن تلك التي أبدعها أدباء في الغرب، سبقونا إلى هذا النوع من الأدب.

مراحل القصة القصيرة

والداخل إلى ها الفن من الموهوبين في الأدب عليه أن يمر بعدة مراحل، إن كانت لديه الرغبة في كتابة القصص، والقدرة على فعل هذا، وهي مراحل ليست متتابعة، بقدر ما هي متكاملة، لا تسير على التوالي، إنما على التوازي. هنا فعلى كاتب القصة أن يقوم بما يلي:

القراءة

1 ـ أن يقرأ: وهذه مرحلة مهمة، إذ لا يوجد كاتب بدأ من الصفر، وإن حدث هذا للبعض، فإن قدرته على الاستمرار لا يمكن لها أن تقام على وجه صحيح سليم متصل متعاف إلا بالإطلاع الدائم والدائب على ما أنتجه الموهوبون والمتحققون ممن سبقوه على درب الأدب.
وهذه القراءة يجب ألا تقتصر على الإطلاع على قصص كاتب واحد، أو على القصص التي تم نشرها في مرحلة زمنية واحدة أو معينة، إنما تذهب إلى كتاب مختلفين، عرب وغير عرب، وإلى قصص مصاغة باللغة العربية أو مترجمة إليها، أو في لغاتها الأصلية، لمن بوسعه أن يقرأ بلغات أجنبية.
وعلى القارئ أن يكون واعيا لهذا التنوع في الأقلام وفي اللغات، وكذلك في المراحل الزمنية التي أُنتجت فيها القصص داخل العالم العربي وخارجه، بحيث يكون ملما بأشكال مختلفة للقص، وأساليب متنوعة لصياغته، وتجارب متعدده لإبداعه، ومدارس متباينة في إنتاجه وطرحه.
والقراءة التي أقصدها هنا، ليست هي التي ترمي إلى التسلية، أو شغل الفراغ، أو جلب رضاء نفسي كاذب للقارئ، بحيث يكون بوسعه الزعم، أمام أقرانه ومجايليه أو من سبقوه أو حتى أتوا بعده، بأنه واسع الإطلاع على القصص، إنما هي القراءة المتأنية، التي تهدف إلى التعلم، وصقل الموهبة، وهي قراءة وظيفية، يعرف صاحبها ما يريد جيدا، ويجعل القراءة في خدمته دوما.
وحبذا لو أمسك القارئ بقلم أثناء القراءة، ليخط تحت عبارة لافتة، وشخصية مختلفة أو غريبة، ونهايات متعددة، مفتوحة أو مغلقة، أو يكون عليه أن يعيد قراءة جزء من القصة لم يقف عليه كاملا في القراءة الأولى، أو يعيد قراءة القصة نفسها، إن وجد فيها نموذجا أو مثالا مختلفا، أو اقتنع بأنها جديرة بالرسوخ في ذهنه، ومستحقة للتعلم منها.
إن هذا النوع من القراءة يذكرنا بالنصيحة التي كان البعض يقولها للشعراء المبتدئين أو من يرغبون في كتابة الشعر، وفي مطلع هؤلاء الناصحين كان عباس محمود العقاد، بأن يقرأ الواحد منهم ألف بيت من الشعر، ثم ينساها، وبعدها يحاول كتابة قصيدة. لكن هذا النصح لا يمكنه أن ينفع غير الموهوبين إلا قليلا، مهما قرأوا أو حاولوا، إنما قد يسهم في صقل الموهبة، عبر شحنها بالتركيبات اللغوية، والصور، وأشكال القوافي، إن كان شعرا عموديا.
لكن هناك رؤية أعمق تحملها هذه النصيحة أو غيرها، ألا وهي “التناص”، الذي يعني تأثير نص أدبي أو غير أدبي سابق على آخر لاحق، وهو ما نراه من تسلل عبارات وتصورات وصور وتركيبات وربما أنماط شخصيات من نص فلسفي أو ديني أو شعري أو اجتماعي إلى نص قصصي. وهذا التسلل قد يكون الكاتب واعيا له، أو يأتي من المخزون في العقل الباطن، ويمكن أن يأخذ ذلك التسلل هيئة جديدة، يمنحها إياه سياق مختلف، أو ضرورة أن يكون متناغما مع الأسلوب العام للكاتب، والذي هو أشبه ببصمة الإصبع، تختلف من شخص إلى آخر.
لهذا يصبح من قبيل البطلان التام، أو السرقة المفضوحة، أن يقوم كاتب، كما درج البعض، على خلع عبارات بأكلمها من نصوص غيره، حتى لو لم تكن أدبية، ثم زرعها في نصه، تحت وهم أن هذا يعطي النص المنتحل جزئيا أو كليا، عمقا أو يجعله مستساغا لقارئ عجول أو مبتدئ، لم يطلع على النص الأصلي المنقول عنه، دون نسب، أو إحالة معلن عنها. ومن يفعل هذا، ويصر عليه، يحكم على قدراته في الكتابة بالضمور المتوالي، حتى يسكت عن الإبداع، أو يستمر في كتابة ما هو متهافت وغير أصيل.
يختلف هذا بالطبع عن الاقتباس من نصوص شعرية أو دينية يلجأ إليها بعض الكتاب في قصصهم أو رواياتهم أو مسرحياتهم أو أشعارهم، ثم يضعونها بين أقواس، ويجعلونها متماهية مع النص الجديد، تؤدي وظيفة ما فيه، قد لا يؤديها غيره. ويكثر هذا، على سبيل المثال، في الروايات والقصص والمسرحيات التاريخية أو القصائد التي تتناول شخصية تاريخية أو معروفة أو أسطورة متداولة.
ويمكن للكاتب أن يقرأ في النظريات النقدية الخاصة بفن القصة القصيرة، فهذه من شأنها أن تضيف إلى فهمه وإدراكه لهذا الفن. لكن على الكاتب أن يعي جيدا أن النقد لاحق على النص في أغلب الأحيان، وأن النظريات الكبرى ولدت من رحم النصوص أو من الواقع، وأن تفصيل نص على نظرية ما، هو أقرب إلى مهنة النجارة أو الحياكة منه إلى الكتابة الأدبية الذاتية جدا.

التجربة

2 ـ أن يجرب: وهذا التجريب يعني اعتماد الكاتب على نفسه في كتابة نص أولي، بعد أن يكون قد امتلك أدوات وشروط الكتابة الأدبية، ثم يعمل على إعادة صياغته، بالإضافة إليه أو الحذف منه، أو تغيير بعض مواضع السرد فيه، أو تغيير البدايات والنهايات أو المسار كله.
وهناك من بين الكتاب من يعتبر قصصه الأولى كانت محض تجريب، لا يستحق أن يُنشر، ويظهر على جمهور القراء، إنما هي كانت كتابة لنفسه، يختبر فيها قدراته على القص، ويحسن فيها أسلوب الكتابة، عبر صياغة القصة بأكثر من طريقة، أو تجويد الطريقة الوحيدة التي سلكها، بحيث تصبح أكثر نضجا، أو تصل إلى المستوى الذي يرضى عنه، ويقتنع بأنها ستحسن إليه، وتضعه في مصاف الأدباء إن نشرها، ولا تسيء إليه، فتخرجه منهم، أو على الأقل تعطي انطباعا سيئا عنه، قد يظل ملتصقا به، مهما حاول تغيير هذا الانطباع عند الناقد أو القارئ.
هذا التجريب قد يبدأ عند البعض بتقليد قصص كتاب كبار، ثم مضاهاة ما كتبه الأديب المبتدئ بما تركه هؤلاء الكبار. وقد يفعل الكاتب هذا دون تقليد، معتمدا على نفسه، فهو حين ينتهي من الكتابة يقوم بهذه المضاهاة، التي يمكن أن تقوم على وضع النصين أمام بعضهما البعض، أو الإحالة إلى الذاكرة، بحيث تسعف صاحبها بقصة ما يكون قد قرأها، ويجدها أولى بأن يقارن بها ما كتبه، واطمأن إليه نسبيا.

السؤال

3 ـ أن يسأل: فالسؤال مفتاح المعرفة، ولا يخلو الفن نفسه، على ذاتيته، من أسئلة أحيانا. وعلى الكاتب أن يتخير من يسأله: فيسأل نفسه أولا عما إذا كان ما كتبه هو قصة كما عرفها مما قرأه سابقا، ثم يسأل غيره من الكتاب، سواء كانوا من مجايليه أو ممن سبقوه ونشروا قصصا شهد لها القراء، واستملحها النقاد. والسؤال يمكن أن ينتقل إلى نقاد الأدب، فهؤلاء بما لديهم من خبرة، سوءا بالإطلاع على النظريات الأدبية أو على مختلف النصوص، يستطيعون تقديم نصائج جيدة للكاتب، عليه أن يصغي إليها جيدا، دون أن يدعها تتحكم فيه، أو تسيطر عليه تماما، إن جلس إلى الكتابة.
والبعض يذهب إلى سؤال هذه الأطراف الثلاثة أو واحد منها أو اثنين، قبل نشر عمله القصصي، وهناك من يدفع ما كتب إلى النشر، ثم يجلس ليجمع ردود أفعال القراء والأدباء والنقاد على النص، وعلى الكاتب في هذه الحالة أن يستفيد مما أبداه هؤلاء، وأن يراعيه في كتابة نصه الجديد، وفق ما تسمى “التغذية المرتدة” أو الارتجاعية، وهي مسألة تفيد الفن إفادتها للمعرفة والعلم.

التطوير

4 ـ أن يطور: وهذا شرط مهم، إن أدركنا أن بعض الكتاب ظلوا على مستوى ثابت من الكتابة، لا يختلف نصهم الأول عن الأخير، وإن امتدت سنوات الكتابة لديهم. وهؤلاء إما أنهم استسلموا لطريقة في الكتابة أو عوالم تتحرك فيها نصوصهم، ولا يعرفون غيرها، أو أنهم توهموا أن ما يبدعونه هو الشكل المثالي للكتابة، أو هو ما يدل عليهم، ويضمن لهم خصوصية أو بصمة متفردة. وهناك آخرون يحرصون على التجدد والإجادة والتجويد الدائم، بحيث يتصاعد منحنى الإبداع إليهم مع تقدم العمر، وتراكم الخبرة.
ولا يجب أن يقتصر التطوير على أسلوب الكتابة وبنية القص، إنما يمتد إلى تنويع العوالم الاجتماعية والنفسية التي يغرف منها الكاتب، أو يلتقط منها قصصه، بما تحمله من صور ومجازات وشخصيات وحكايات وحوادث ووقائع وأحداث. ويتطلب هذا بالطبع اتساع العالم الذي يشتبك معه القاص، وينظر إليه مليّا ويتأمله على مهل. وهناك من يتهادى إليهم هذا لظروف نشأتهم، وتنوع علاقاتهم، وتعدد انتقالهم، وتراكم خبراتهم, ويوجد الذين يصنعون هذا صناعة حاذقة، حين يدركون أن استمرارهم في الكتابة يقتضي ألا تجف البئر العميقة التي ينهلون منها.

المواصلة

5 ـ أن يواصل: فكاتب القصة الكسول أو صاحب القريحة الراكدة أو المتبلدة أو الشحيحة أو الضعيفة قد تنقطع به سبل الكتابة، فيقف عند حد معين، ويعجز على الاستمرار، أما الكاتب الدؤوب المثابر، الحريص على شحن قريحته بكل ما هو مبهر ومتقد، سواء من الواقع أو مما يطلع عليه، فيستمر في الإبداع، ويبدو في نهم شديد، لا يشبعه شيء، ولا يوقفه ظرف، ولا يعيقه أحد، خاصة إن كان صاحب “مشروع كتابة” ينسج خيوطه على مهل، ودون كلل أو ملل.
وهناك من تهرب الكتابة منه، إما لأنه لا يجد جديدا يضيفه، أو أنه توقف عن الكتابة فصدأ قلمه، حتى إن عاد محاولا أن يواصل عجز عن هذا. والمثل القوي في هذا هو الكاتب المصري عادل كامل، الذي كان يسير مع نجيب محفوظ رأسا برأس، بل يسبقه، لكنه ترك الكتابة واكتفى بمهنة المحاماة لأنها تدر عليه دخلا أكبر، فلما حاول العودة بعد سنوات لم يقدر، ومزق أوراقه، وحجبها عن القراء، لأنها بدت أقل كثيرا مما كان قد توقف عنده في زمنه البعيد.
لكن المواصلة أو الاستمرار، حتى يكون صحيحا، يجب أن يراعى الشروط الأخرى، وهي التطوير والإضافة وتوسيع عوالم الكتابة، وعدم الكف عن التساؤل، والحرص الدائم على إبداع الجديد والمختلف، والإدراك الواسع لشروط الفن ومتقضياته.
هذه المراحل، وإن شئت قل النصائح، الخمس، تتطلب ابتداء أن نكون أمام موهبة أدبية، أو كاتب يرى في القصة القصيرة أو السرد عموما الأسلوب المناسب لما يريد قوله أو التعبير عنه. أما غير الموهوب، فقد يستفيد بعض الشيء من هذه النصائح، لكن افتقاده للموهبة يظل عقبة كؤود أمامه، وقد يكتشف أن موهبته منصرفة إلى شكل آخر من الكتابة.
د/ عمار على حسن
(نقلا عن الفيصل الأدبية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى