إحسان كمال سيدة الأدب الاجتماعي الكاتبة الأديبة المصرية .. لم يفلت منها عبارة واحدة خادشة للحياء، على مدى أكثر من ٢٥٠ قصة، وعشرات الأفلام والمسلسلات المأخوذة عن رواياتها وقصصها.. ترى ان الذين يلجأون إلى الأدب العاري، من المهزولين فكريا وإبداعياً.. لم تعترف بما يسمى بأدب المرأة، إنما الأدب الإنساني الواعي المسئول.. ترى أن أنجح صور المرأة هي الصورة التي خلقها الله على فطرتها السوية، وخلق منها زوجها.
Table of Contents
مولد إحسان كمال
، ولدت إحسان كمال بجنوب مصر بالعسيرات، مركز جرجا، أقصى الصعيد في (١٣ ديسمبر ١٩٢٩) وتخرجت في مدرسة الفنون (قسم التطريز) عام ١٩٥١م)، والتي رحلت يوم ٢٠٢٢/٧/٢٥ ولكن الأسرة، تكتمت الخبر لظروف عائلية صحية خاصة.
وقد نشأت (إحسان كمال محمد) بقرية العسيرات التابعة لمحافظة سوهاج بجنوب مصر، حيث كان والدها أحد أبرز رجال البوليس المصري، وكان يشغل وظيفة “مأمور بالوجه القبلي”، بعدما درس القانون في السربون بفرنسا، وما عرف به من الحزم الجدية والثقافة الواسعة، والقدرة الفائقة على الإدارة والضبط والربط، ..
ووسط أسرة تكونت من إحسان, وأشقائها, عيشة, ومحمد, الذي استشهد بحرب الاستنزاف التي أعقبت النكسة ١٩٦٧، والعبقري علم الدين الحاصل على الدكتوراه في علم الحشرات (C.5 . D) والذي توفي في ريعان شبابه (٤٤ سنة)، وما زال اسمه يزين مدرج علم الحشرات بكلية العلوم بجامعة القاهرة، حيث يشهد له اساتذته وزملاؤه انه قد تفوق في تخصصه على أستاذه العالم الشهير “حامد جوهر” عميد معهد علوم البحار، وصاحب البرنامج التلفزيوني العلمي التاريخي (عالم البحار)… بين هذه الأسرة، وبين زوجها (سعد السيد عبد الوهاب) موجه التربية الرياضية ومدرس التربية البدنية بالكلية الفنية العسكرية، ومؤسس قسم التربية الرياضية بالكلية، …
إحسان كمال بين حزم وعلم
عاشت إحسان كمال بين حزم وعلم الوالد، وعبقرية الأخ الشقيق، وحيوية وبطولة الزوج… وتقاليد وأعراق الصعيد الجواني، كما يقول المصريون… والتي ظل أدبها يفوح به ظاهرا وباطنا، في القيم المتضمنة، والشخصيات والمواقف، والأجواء النفسية، والأحداث،.. والروايات والقصص… التي تجاوزت (٢٥٠ قصة) فلم تفلت عبارة واحدة من قلم (إحسان كمال) من تحت عين الرقابة الذاتية، على قاعدة (حارس البوابة) التي يعرفها كل دارسي الإعلام..
• أنجبت إحسان كمال بنتا وولدين م. طارق المقيم بإيطاليا، وم. أحمد المقيم
بالقاهرة، وعزة الكتابة الصحفية، ودفعتي بإعلام القاهرة عام ١٩٨٢م.
• كما أنجبت إحسان كمال مئات القصص والروايات التي حصلت بها على حصيلة
جوائز
قيمة من الجوائز … منها جائزة نادي القصة مرتين عامي ١٩٥٧م، و١٩٦٠م، وجائزة إحسان عبد القدوس للقصة القصيرة عام ١٩٩١م، وجائزة محمود تيمور للقصة القصيرة ، التي يقيمها المجلس الأعلى للثقافة على مستوى العالم العربي عام ١٩٩٤م، وذلك عن مجموعتها (ضيفة الفجر) الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1992م. كما حصلت على ميدالية المجلس الأعلى للفنون والأدب عن أحسن قصة عن معركة أكتوبر ١٩٧٤.
أهم مؤلفات إحسان كمال
وقد نشرت (إحسان كمال) أعمالها بمعظم الدوريات والصحف العربية على مدى عمرها الطويل، والتي جمعتها بعد ذلك في مجموعات أهمها:
– (سجن الملكة) عام 1965 عن سلسلة الكتاب الماسي
-(سطر مغلوط) عن هيئة الكتاب عام ١٩٧١م.
-(أحلام العمر كله) عن روايات الهلال ١٩٧٦م.
-(الحب أبدا لا يموت) عن روايات الهلال 1981م.
-(أقوى حب) عن كتاب اليوم ١٩٨٢م.
-(لحن من السماء) عن هيئة الكتاب ١٩٧٨م.
-(ممنوع دخول الزوجات) عن كتاب اليوم ١٩٨٨م.
-(ضيفة الفجر) عن هيئة الكتاب ١٩٩٢م.
-(قبل الحب أحيانا) عن دار قباء.
كما أفادت ابنتها الصحفية (عزة سعد) أن لديها عدة مجموعات قصصية لم تنشر.
الأدب الخارج من بين أنياب الأسد
أطلق بعض النقاد على أدب إحسان كمال مقولة..” إنه الأدب الخارج من بين أنياب الأسد” في إشارة الى قصتها الماتعة امن بين أنياب الأسد” المنشورة ضمن مجموعة خيط لا ينقطع) والصادرة عن الهيئة المصرية العامة الكتاب عام ٢٠١٢، والتي تعالج فيها جشع الحارس (عويس حارس عرين الأسد بحديقة الحيوان والذي دفعه جشعه الى التحايل على عمله الأخلاقي النبيل، بعمل لا أخلاقي بالمرة، حيث كان يتحصل على رشوة مقدارها جنيه واحد عن كل طفل يسمح له عويس بتقديم الطعام للأسد، من يده مباشرة لفم الأسد.. حتى جمع من ذلك٣٠٠ جنيه مصري، كان بالتمام والكمال مرصودة لتحقيق رغبة عويس في شراء دراجة بخارية.. إلى ان وقعت الواقعة والتهم الأسد الطعام المقدم له من أيدي الأطفال مع قطعة من يد الطفل البرئ.. فكان ما كان.. ودخل عويس تحت طائلة القانون خلف القضبان.. وكانت الثلاثمائة جنيه بالتمام والكمال هي حكم وكيل النائب العام بكفالة وليدخل عويس إلى قفصه الحديدي المحكم، المماثل لقفص الأسد الذي استباح عويس حرمته وحماه، كما انتهك حرمة الطفولة وبراءتها، لقاء تلك الجنيهات الدنيئة التي ابتزها من أيدي الأطفال الأبرياء.
ضيفة الفجر
كما كانوا يطلقون على “إحسان كمال” (ضيفة الفجر) إشارة إلى مجموعتها التي تحمل نفس الاسم، الصادرة ١٩٩٢ والتي تمثل واحدة من أرقى مجموعات القصص الإنساني، التي كانت “إحسان كمال” تسبح فيها بمهارة واقتدار، قائلة: أنا لا أميل الى ما يسمى “أدب نسائي” و”أدب رجالي” فما أبدعه من روايات وقصص، وان كانت المرأة هي العنصر الأبرز في مادته الأدبية من كل الزوايا، إلا أن الرجل هو العنصر المكمل للصورة، أيا كانت درجته أو دوره، فإن كفا واحدة لا تصفق، وعصفورا واحدا لا يصنع ربيعا أبدا… وقبل هذه “الضدية” او الندية ” لا تصنع أدبا سويا، لأن إرادة التحدي، وتعمد المخالفة… غالبا ما يكون صادرا عن عقد، وشعور بالتدني.. أو القصور.. أو العجز.. أما الصورة المثلى للأدب المعالج لحياة المرأة، فهو الأدب الذي يقدمها في صورتها المتكاملة أسريا ومجتمعيا، وكما خلقها الله.. وخلق منها زوجها…
وكانت “إحسان كمال” شديدة المهارة في التقاط حبات عقد قصصها، والإمساك بأطراف خيوط حكاياتها.. من النماذج المحيطة بها.. عائليا واجتماعيا.. ومهنياً ومحلياً.. وعالمياً….. حيث كانت تعتبر، (الأسرة) هي مستهدفها الأول، باعتبارهاالكيان المقدس، والمؤسسةةالتي تتصارع من حولها كل مؤامرات الاختراق والخلخلة والتفكيك.
خيط لا ينقطع
وعلى سبيل المثال، هناك قصة (خيط لا ينقطع)، التي حملت اسمها نفس المجموعة الصادرة عن اتحاد كتاب مصر، والهيئة المصرية العامة للكتاب عام ٢٠١٢، وهي آخر المجموعات الصادرة لها، والتي أكدت من خلالها فنيا، ان كل الخيوط يمكن أن تتقطع الا الخيط بين الأم وابنها، وهما مادة حياة الأسرة،في ظل الرعاية الوالدية، قلبيا وروحيا، وماديا ومعنويا والتي أكدتها ابنتها الزميلة “عزة سعد” أنها قد عالجت موقفا فعليا بينها وبين ابنها “طارق”.. وإن كانت القصة تحمل اسم “ممدوح” الابن، والأم “عطيات،.
وتجدر الإشارة إلى ان “إحسان كمال” قد صدرت لها مجموعة “أدم لن يطرد من الجنة مرتين” عن دار نشر فرنسية عام ١٩٩١م، كما ترجمت لها أكثر من خمسة عشر قصة الى الإنجليزية والروسية والسويدية والصينية والهولندية، كما حولت العشرات من أعمالها إلى مسلسلات وأفلام وسهرات تلفزيونية مثل مسلسل فستان الفرح”، وأفلام رجل اسمه عباس” و “حل يرضي جميع الأطراف” و(من القدم الى الرأس) و(مربعات السعادة)، وغيرها.
تناول أعمالها بالنقد والتحليل.. كبار الكتاب والنقاد من أمثال الدكاترة عبد القادر القط وسيد حامد النساج ونبيله إبراهيم، ونهاد صليحة، والكاتب الصحفي مصطفي عبد الله الكبير، كذلك عقد عنها يوسف الشاروني فصلا خاصا ضمن تأريخه للقصة القصيرة، واختار لها بعض النماذج ضمن كتابه (الليلة الثانية بعد الألف).
كما تناولت أعمالها المستعربة الروسية فاليريا كربتشينكو” في دراسة خاصة.
وعلى الرغم من أنها كانت غارقة في القصص الاجتماعي، بما يحفل به من عواطف ووجدان، إلا انها قد ذهبت في معالجة شئون المرأة الى الحد الأقصى، الذي لم يصدر فيه عنها عبارة واحدة خادشة للحياء، أو متجاوزة أخلاقيا، أو عابرة للتقاليد والأعراف وقد حاول بعض العلمانيين غمزها في هذا الجانب قائلا: أن أدب إحسان كمال ليس به أية مشوقات أو مشاهد حارة للحب والعاطفة، التي هي أهم سمات أدب المرأة!!
فأجابت بكل إباء: أي من يعمدون إلي وضع هذه المواد الحريفة إلى أدبهم من النساء، لا يملكن المواهب الكافية لإنتاج أدب جيد، ومن ثم فإنهم يلجئون إلى هذه التوابل والمواد الحارة الفاتحة للشهية عن سوء قصد.. لعلها تكون “مقبلات”، لهذا الأدب المكشوف.
وكان يحيى حقي.. أمير القصة القصيرة يعتبر “إحسان كمال” أبرز تلميذاته، وعلى الرغم من رمزيته وصحته وسنه المتقدم..إلا أنه كان يذهب إلى أي ندوة تذهب إليها تقديرا ودعما واعتزازا.
وهكذا.. كانت “إحسان كمال” نموذجا للأدب الاجتماعي الفني الجميل، ومن ثم تمتعت باحترام وتقدير الجميع، منذ أن كانت عضوا تأسيسًا باتحاد كتاب مصر إلى عضويتها بمعظم الجمعيات والهيئات الأدبية والثقافية إلى عضويتها لمجلس إدارة اتحاد الكتاب لعدة دورات متتالية.. إلى أن لقيت ربها شهيدة المرض مصابة (بكورونا) بعد مشوار ثقافي وحضاري واسع وهادف وبناء.
د. محمود خليل