شخصيات علميةمبدعون

كيف أنقذ د. عادل محمود حياة الملايين حول العالم؟

اكتشف عشرات "اللقاحات".. ونعاه بيل غيتس

العالم المصري- الأمريكي، الدكتور عادل محمود، أحد أهم وأبرز العلماء في المجال الأكاديمي والطبي في الولايات المتحدة. ترجع شهرته لإسهامه في تطوير بعض اللقاحات، التي أنقذت إنقاذ حياة الملايين حول العالم من السيدات المصابات بسرطان “عنق الرحم”.

عمل الدكتور “محمود” كأستاذ بجامعة برينستون بالولايات المتحدة الأمريكية. وخلال حياته المهنية في الطب، كان رائدا مؤثرا في المجال الأكاديمي، وأبحاث تطوير الطب الحيوي، والسياسة الصحية العالمية.

أفنى الدكتور عادل محمود عمره في الأبحاث الطبية خاصة الأمراض المعدية، من أجل توفير أقصى درجة من الحماية والوقاية للبشر في مختلف أنحاء العالم.

موقف نفسي مؤلم

ولد الدكتور عادل محمود بالقاهرة في 24 أغسطس 1941، وهو الابن الأكبر بين ثلاثة أطفال. والدته السيدة فتحية عثمان كان من المفترض أن تلتحق بكلية الطب في جامعة القاهرة، إلا أنها لم تكمل دراستها بعد أن منعها شقيقها، الطالب في كلية الطب أيضًا، من الذهاب إلى الجامعة. تزوجت السيدة “فتحية” من والده عبد الفتاح محمود، الذي كان يعمل مهندسًا زراعيًا، وله شقيقان؛ الدكتورة ألفت عبد الفتاح والدكتور محمود عبد الفتاح.

كيف أنقذ د. عادل محمود حياة الملايين حول العالم؟
كيف أنقذ د. عادل محمود حياة الملايين حول العالم؟

حين كان في العاشرة من عمره، حدث أول لقاء للطفل “عادل” بالأمراض المعدية، عندما ذهب لشراء عقار “البنسلين” لوالده المصاب بالتهاب رئوي حاد، لكنه توفي قبل عودته إلى المنزل.

التحق عادل بكلية الطب في جامعة القاهرة، وتخرج عام 1963. اتخذ عادل قراره بمغادرة مصر عام 1968 إلى المملكة المتحدة، وفي عام 1971، حصل عادل على درجة الدكتوراه من كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة.

واتجه إلى مجال الطب بدافع شديد الصلة بمرض والده، حيث تعرض خلال طفولته لموقف نفسي مؤلم عند وفاة أبيه، تسبب في تحول طفري ورغبة مُلحة في دراسة الطب وإنقاذ أرواح المرضى، حتى لا يلقوا مصير والده الراحل.

السفر إلى المملكة المتحدة

وفي عام 1968، سافر “عادل” إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراسته وحصل على شهادة الدكتوراة للمرة الثانية عام 1971 من كلية لندن للصحة والطب المداري، وركز خلال رسالة الدكتوراه على دراسة “الحمضات”، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء، بهدف مكافحة الديدان الطفيلية، من بعدها سافر الراحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 1973، من أجل استكمال دراسته والعمل هناك.

والتحق بجامعة «كيس وسترن ريسرف» الأمريكية، كمدرس جامعي مساعد، وسرعان ما أثبت كفاءته، وعُيّن رئيسًا لقسم الطب هناك (1987-1998)، وكان للدكتور “محمود” دور فعّال في الجامعة، حتى أنه ترك تأثيرًا بين الطلاب في الجامعة، وأشادت عميدة الطب في الجامعة ذاتها، باميلا ديفيس، بأداء البروفيسور ودوره بالجامعة، قائلة: «كان ذكيًا في التعامل مع المشكلات بدرجة تفوق الطبيعي حتى أن العالم صار مظلمًا بعد غيابه».

الفيروس القاتل

أشرف الدكتور “عادل محمود” على إنتاج وتسويق العديد من اللقاحات التي حققت تقدمًا كبيرًا في الصحة العامة. أهم هذه اللقاحات، كانت المستخدمة في الحماية ضد «فيروس الورم الحليمي البشري – HPV» المسبب لسرطان عنق الرحم، والأعضاء التناسلية والشرج. كما طور لقاحًا آخر يمنع عدوى «فيروس الروتا – Rota virus»، وهو فيروس قاتل يسبب الإسهال عند الرضع.

ساعد الدكتور في إنتاج لقاحات أخرى مثل لقاح مضاد للحصبة، النّكاف، الحصبة الألمانية، جديري الماء، والوقاية من القوباء المنطقية؛ وهو طفح جلدي مؤلم ينشط عندما يكون المصاب قد تعرض لجدري الماء سابقًا. تم توزيع أكثر من 500 مليون جرعة من هذه اللقاحات على مستوى العالم بدءًا من العام 2017.

وكان لـ«محمود» دورًا فعّالاً في تطوير اللقاحات والتسويق للعلاج، ومن بين الأدوية التي طوّرها، علاج أمراض المعدة والحصبة الألمانية، حتى أن الشركة أطلقت إحصائية في 2017 تؤكد بيع 500 مليون جرعة من اللقاحات التي طورها البروفيسور، على مستوى العالم.

وفي 2006، تقاعد البروفيسور من العمل، وعاد إلى الدراسة الأكاديمية مقدمًا النصائح إلى أبناء جامعة «وينستون سالم ستيت»، الواقعة في ولاية نورث كارولينا الأمريكية، وكان يقدّم المشورة السياسية أيضًا، لذا أشاد الدكتور أنطوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، التابع للمعاهد الوطنية للصحة، برأيه السياسي: «كان من أوائل الشخصيات التي تتجه إليه للحصول على النصائح السياسية بأصعب القضايا».

كيف أنقذ د. عادل محمود حياة الملايين حول العالم؟
كيف أنقذ د. عادل محمود حياة الملايين حول العالم؟

جهوده لمكافحة فيروس إيبولا

في أعقاب تفشي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا على نطاق واسع عام 2014، بدأ الدكتور عادل محمود في الدعوة إلى إنشاء صندوق عالمي لتنمية اللقاحات. وصرّح بضرورة ألا تقف الأعباء المالية في طريق حل الأزمات الصحية العالمية القاتلة.

شاركه في هذه الدعوة أكاديميون آخرون؛ هم البروفيسور جيريمي فارار – Jeremy Farra من جامعة أكسفورد، والبروفيسور ستانلي بلوتكين – Stanley Plotkin أستاذ فخري من جامعة بنسلفانيا.

وكان “محمود” يرى أن إنشاء الصندوق يتطلب العديد من الإجراءات مثل الحصول على الأموال من تبرعات الحكومة، الأعمال الخيرية، أو مساهمات مختلفة من شركات تعمل في مجالات التكنولوجيا الحيوية، وربما المنظمات الأكاديمية والاجتماعية، وبعض المنظمات الدولية. ثم يبدأ الصندوق عمله بطريقة شفافة للغاية لضمان عدم التلاعب بهذه الأموال، والتحكم في طريقة عمل الصندوق من قبل لجنة تطوعية علمية مستقلة من الجامعات والحكومة ومؤسسات البحث.

أخيرًا، أن تكون البشرية هي شغلك الشاغل، فهذا أمرٌ صعب، وجيّد في ذات الوقت. بصفته طبيب وعالم تدور أبحاثه في محاربة الفيروسات، كان الراحل د. “عادل” يعلم تمامًا كم حياتنا في خطر، لذا فضّل أن يكرّس حياته لحياة الناس وصحتهم، وأن يكون معلمًا وقدوة، مثلما شهد له الجميع كما رأينا. فإن كان هناك من شيء جيد تفعله في حياتك، فهو السعي جاهدًا لترك أثر كبير في حياة الناس بأي صورة، أن تكون النجمة التي تسطع وسط الظلام حتى ولو كانت مجرد سيرة عطِرة يتذكرك بها الناس بعد رحيلك.

وتقاعد الدكتور “محمود” من رئاسة شركة “ميرك” للأدوية، وبدأ حياته المهنية في الجامعة عام 2007 كمحلل سياسي رفيع المستوى في كلية «وودرو ويلسون» للشؤون العامة والدولية، وفي عام 2011، عمل كمحاضر برتبة أستاذ في قسم البيولوجيا الجزيئية والشؤون الدولية، كما كان جزءًا لا يتجزأ من برنامج الصحة العالمي في الكلية.

في عام 2013، استخدم الدكتور عادل خبرته وطريقته في الإقناع من أجل الحصول على اللقاح الأوروبي، وكذلك الحصول على إذن من الحكومة الأمريكية لتقديمه للطلاب بشكلٍ طارئ، عندما تسببت سلالة غير مألوفة من التهاب السحايا في التفشي في الجامعة، ولم يكن هناك أي لقاح يصنع في الولايات المتحدة لها.

مواقف من حياة الدكتور عادل محمود

أسلم روحه لخالقها في صمت شبه تام في وقت سابق في الـ11 من يونيو 2018، في مستشفى مانهاتن في الولايات المتحدة عن عمر يناهز 76 عامًا.

وفي تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، تحدث الكاتب باتريك توماس عن موقف في عام 2014 بكى فيه الطبيب المصري. حيث كان يلقي محاضرة أمام طلابه بجامعة برنستون حول الصحة العالمية، ثم بدأ في البكاء. وفي ذلك الوقت كان وباء “إيبولا” يضرب منطقة غرب إفريقيا.

من جانبها، قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن الطبيب المصري لعب دورًا محوريًا في “تطوير اللقاحات التي تحمي من الموت” ونشرت تقريرًا مطولًا عن حياته العلمية، أما موقع جامعة برنستون فوجه نعيًا للطبيب المصري، وقال فيه إن عادل محمود كان رائدًا في علاج ومنع الأمراض المعدية حول العالم.

بيل غيتس ينعى الفقيد

نعاه، رجل الأعمال، بيل غيتس مؤسس شركة “مايكروسوفت“، وكتب بيل جيتس، في تغريدة له على موقع التدوينات القصيرة تويتر: “فى وقت سابق من هذا الشهر، فقد العالم واحداً من أعظم المبدعين في اختراع اللقاحات في عصرنا، الدكتور عادل محمود الذي أنقذ حياة عدد لا يحصى من الأطفال”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى