المجلةبنك المعلومات

مدارس الحياة .. التعليم كمان وكمان

مدارس الحياة .. التعليم كمان وكمان

 

 

بقلم : د . مجدي سعيد

التعليم ليس فصولا ذات جدران ومناهج تحشر في أدمغة التلاميذ ليستفرغوها على أوراق الامتحان، وهو ليس أيضا شهادات من الورق نستخدمها كجواز سفر لسوق العمل، وهو بلا شك ليس مذكرات للدروس وبرشام للغش، فإذا أصبح فوق ذلك معسكرا لاعتقال الطلاب وإرهابهم أو ماكينات لطباعة نسخ مكررة معد محتواها سلفا من قبل من يحتكرون الثروة والسلطة، فلابد للتعليم إذا أن ينطلق من أسره إلى دنيا الله الواسعة في الهواء الطلق للحياة، لذلك فإنني حاولت أن أقدم بعضا من النماذج التي احتواها المقال كتبه “بن كيين Ben Keene” في موقع Medium.com بعنوان رئيس “مدارس للحياة” وعنوان فرعي شارح “10 مدارس تغير الطريقة التي ننظر بها إلى التعليم”، في بداية المقال يحكي “بن” عن أن ما لفت انتباهه لما يسمى بـ “مدارس للحياة” كان التحاقه بالعمل عام 1999 كمتطوع في “جلينجاري” وهي تجربة تعليمية في الهواء الطلق بمنطقة وادي الكنجارو في أستراليا، وأنه انخرط منذ ذلك الحين في كثير من التجارب التعليمية الإبداعية وما أعجبه بشدة فيها هي روح الرسالة التي يتحلى بها القائمون على تلك التجارب.

  • جلينجاري – برنامج التعليم في الهواء الطلق – أستراليا: http://www.tsc.nsw.edu.au/view/learning-at-scots/glengarry وهي المدرسة التي أسسها جريم ريني Graeme Rennie والتي تعتمد على تعريض الصبية للبيئة الطبيعية وخلق فرص لتحديهم جسديا وروحيا وعاطفيا واجتماعيا وأكاديميا في سياقات الهواء الطلق وهو ما من شأنه أن يطورهم بطريقة مميزة. يتكون البرنامج – المتعمد من أحد المجالس المتخصصة في اعتماد برامج التعليم والترفيه في الهواء الطلق – من فصلين للإقامة في الهواء الطلق في منطقة تبعد بمقدار ساعتين جنوب غرب سيدني، تطبق أعلى درجات الأمان وإدارة المخاطر، في إطار بيئة مهيئة لتعليمهم حتى يصبحوا رجالا صغارا، مما يكسبهم: قوة الشخصية من خلال فرص التعلم التجريبي التي تغطي جميع مجالات المناهج الدراسية، وقيمة التعامل مع البيئة الخام في منطقة تشتهر بالتنوع الحيوي وثراء محتواها من النباتات والحيوانات، وهي بذلك تعد فصلا مثاليا لتعلم العلوم، وفائدة الأكل الصحي وممارسة الرياضة، ورؤية ممتدة للعالم دون التليفون المحمول وأجهزة الألعاب والتلفاز، وبناء علاقة خصبة مع أسرهم من خلال كتابة الرسائل لهم وزيارة اسرهم لهم، وتعليمهم مواجهة مخاوفهم والإقدام لمواجهة التحديات وتحقيق الأحلام، وكيف يعيشون مع غيرهم في المجتمع من خلال تشجيعهم على إقامة صداقات مع أقرانهم تعيش مدى الحياة، والفهم الأعمق للقيم والتعاليم المسيحية، فيما يخص علاقتهم مع ربهم، والعالم والبيئة التي يعيشون فيها. ووفق رؤية البرنامج فإن الأولاد الذين يواجهون التحديات خارج مناطق راحتهم، يكتشفون في أنفسهم مكامن للقوة والقدرات، في إطار برنامج مميز لتعليمهم القيادة والمثابرة على الأهداف طويلة الأجل وقوة التحمل التي ربما لا يكتشفونها في ذواتهم، تشمل أنشطة البرنامج: العدو وتسلق الجبال والهبوط منها، والتخييم والعيش على الأرض، التجديف، والتزلج، والمشي لمسافات طويلة، ومعرفة الاتجاهات، وركوب الدراجات والخيل.
  • المدرسة الخضراء – بالي – إندونيسيا: صممت المدرسة الخضراء من قبل مؤسسيها عام 2006 عقب خروجهم من العمل في مجال تجارة المجوهرات، وافتتحت عام 2008 بـ 90 طالب في وسط حقول الغاب والأرز، ومنذ ذلك الحين استمرت في النمو وزاد عدد طلابها. تجمع المدرسة بين مواهب متعددة، سواء مؤسسوها جون وسينثيا هاردي John and Cynthia Hardy واللذان أقاما في بالي لما يربو على 30 عاما، وتعرفوا على إمكانية خلق شيء ملهم خارج القيود الهيكلية والمفاهيمية والمادية للكثير من المدارس التقليدية. يقوم مشروع المدرسة على مزج مفهوم الاستدامة بالتعليم، وعلى توسعة حدود مفهوم المدارس والتعليم، ويجمع منهجها بين ما هو متوقع من المدارس ومؤسسات التعليم عالية المستوى من صرامة أكاديمية وبين التدريب العملي على التعلم التجريبي ضمن منهج الدراسات الخضراء والفنون الإبداعية، فما بين المواد الأساسية الضرورية كالإنجليزية والرياضيات والعلوم وما بين المجال المفتوح للتعلم والمهن التي يختارونها. تعد المدرسة طلابها ليكونوا مؤهلين للتفكير الإبداعي والنقدي وارتياد مجال الاستدامة والبيئة بكل ثقة، كما تروي ظمأهم لمعرفة المزيد، مزودة إياهم بالمعارف المناسبة وذات الصلة، ومغذية شغفهم للتأثير من خلال تغيير الطريقة التي ندير بها هذا الكوكب. لا تبدو المدرسة لعموم الناس بالصورة التي تعودوها من المدارس، فالتزاما بالاستدامة، تم بناء كل مبانيها وأثاثها من البامبو وهو أحد الموارد المتجددة المحلية. وجود الجميع معا في كنف الطبيعة له تأثير إيجابي على عملية التعلم، وعلى جودة العلاقات، وعلى الطريقة التي يتواصل بها الناس. تتمحور رؤية المدرسة على خلق بيئة تعلم طبيعية، وشمولية، ومتمحورة حول الطلاب، فهي تسعى لتمكينهم وإلهامهم كي يكونوا قادة خلاقين ومبدعين وخضر. أما القيم الكامنة وراء العملية التعليمية بالمدرسة فهي: كن محليا، دع البيئة تكون دليلا لك، وتصور كيف ستؤثر أفعالك على أحفادك. ويصف “بن” المدرسة بأنها ربما تكون أكثر المؤسسات التعليمية إلهاما على وجه الأرض.

التجربتان ليستا إلا نماذج تقع متنوعة تكمن وراءها فلسفات مختلفة، وهما بلا شك تجارب ملهمة، والأسئلة التي تلهمنا تلك التجارب بهما ربما تكون أكثر من الإجابات، وأسئلتي هي: لماذا يكتب على الغالبية العظمى من أبنائنا وأد انطلاقة البراءة فيهم، وجدانا وعقلا، من خلال تعليم نمطي متخلف؟ لماذا لا تكون لدينا حتى برامج موازية لهذا التعليم المتخلف إن لم نستطع خلق بديل له أو عجزنا عن تطويره، برامج تمزج بين:

  • معسكرات ورحلات استكشافية: يستكشف فيها الأطفال ما حولنا في بلادنا من بيئات متنوعة زراعية وصحراوية وبحرية وغيرها، ويتعرفون على ما بها من نبات وحيوان وحشرات وغيرها، حيث يتعلم الأطفال العلوم ملامسة لا تخيلا من خلال برامج للتنشئة العلمية والتعرف الحقيقي على الوطن وإمكاناته وموارده.
  • تربية كشفية تنمي شخصية الطفل ومهارات اعتماده على نفسه، وشظف العيش، والمجهود البدني، وروح الفريق، وغيرها من مهارات.
  • تربية إيمانية من خلال السير والنظر والتفكر في خلق الله، لا من خلال الوراثة والتلقين والحفظ.

أسئلة أترك إجابتها للمعنيين بالتغيير الحقيقي والعميق للشخصية المصرية أو العربية أو المسلمة، ولكل المعنيين بتغيير واقعنا: ابدأوا بتغيير أدوات صياغة عقول ووجدانات الأجيال القادمة حتى لا نظل نعيش أسرى الواقع المرير الذي نعيشه، ونتباكى عليه.

للتعرف على نماذج أكثر من “مدارس للحياة”طالعوا المقال الأصلي:

رابط صفحة الدكتور مجدي سعيد على الفيسبوك :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى