المجلةبنك المعلومات

6 رياضات تساعد على التحكم في العوامل الوراثية المؤدية

تعتبر السمنة مشكلة صحية عالمية، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعديد من اضطرابات التمثيل الغذائي. وقد أظهرت نتائج أبحاث علمية أن ممارسة الرياضة البدنية بانتظام يمكنها أن تؤثر في الاستعداد الجيني للسمنة. ومع ذلك، ظلت أنواع التمرينات الرياضية التي يمكن لها أن تعدل الاستعداد الجيني للسمنة مجهولة. إلا أن نتائج دراسة حديثة شملت قرابة عشرين ألفًا من من البالغين من غير ذوي الصلة الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و70 عامًا، كشفت عن بعض هذه الرياضات، مشددةً على أن ممارسة أنواع معينة من الرياضات من شأنها أن تساعد في مواجهة العوامل الوراثية المؤدية إلى السمنة، والتي باتت تهدد أكثر من 1.9 مليار شخص بالغ على مستوى العالم، وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية. ويؤدي العامل الوراثي دورًا مؤثرًا في انتقال جينات السمنة إلى عدة أجيال من العائلة الواحدة؛ إذ إن الجينات الوراثية مسؤولة عن شكل الجسم وتوزُّع الدهون في مناطق معينة، وقد تكون مسؤولةً عن قلة القدرة على استهلاك الدهون وتكسيرها.

أوضحت الدراسة التي أجراها فريق من الباحثين في جامعة “تايوان الوطنية” أن “ممارسة 6 رياضات هي: السير لمسافات طويلة، وتمارين السير، والركض، وتسلق الجبال، واليوجا، والرقص الرياضي (يخضع لمعايير ومقاييس دولية وضعها الاتحاد الدولي للرقص الرياضي، ويتطلب وجود شريك) تساعد على التحكم في الجينات الوراثية المرتبطة بزيادة الوزن من خلال التأثير على الشهية ومعدلات الأيض، وطريقة تخزين الأجسام للدهون وتقليل مؤشر كتلة الجسم لدى الأفراد المعرضين للسمنة، في حين لم تنجح رياضات مثل تمارين الاستطالة ورفع الأثقال والسباحة والرقص الإيقاعي (الذي عادةً ما يُمارَس في المنزل ولا يحتاج إلى وجود شريك) والتنس وتنس الطاولة وكرة الريشة والسلة وركوب الدراجات ورياضات الدفاع عن النفس والـ”تشي كونج” (لعبة صينية تُعنى بالدفاع عن النفس من خلال الاعتماد على الطاقة الداخلية الكامنة) وغيرها في التحكم في العوامل الوراثية المسببة للسمنة”.

تقول “وان يو لين” -أستاذ مشارك بمعهد علم الأوبئة والطب الوقائي في كلية الصحة العامة بجامعة تايوان الوطنية، والمشاركة في الدراسة- في تصريحات لـ”للعلم”: “إن مرض السمنة يمثل تحدِّيًا كبيرًا في جميع أنحاء العالم، وهو تحدٍّ من الصعب التحكم فيه؛ لأنه ناتج عن تفاعلات بين علم الوراثة ونمط حياة الشخص نفسه، ويمكن أن تخفف ممارسة التمارين الرياضية بانتظام من تأثير العوامل الجينية على السمنة”.

وردًّا على سؤال لـ”للعلم” حول السبب وراء تَزايُد قدرة بعض الرياضات على إنقاص الوزن بصورة تزيد عن غيرها، تضيف “لين”: “الأمر يتعلق بطبيعة هذه الرياضات؛ فعلى سبيل المثال نجد أن الركض هو تمرين لكامل الجسم، بدايةً من تأرجح الذراعين وانتهاءً بالحركة المستمرة للأرجل والكتفين والبطن، إنه نشاط مستمر، كما يحتاج المرء إلى بذل مزيد من القوة عند التنقُّل على الأرض، والأمر نفسه بالنسبة لتسلُّق الجبال، الذي يؤدي إلى حرق السعرات الحرارية بصورة أكثر من المشي على أرض مستوية؛ إذ إن كل نوع من التمرين له خصائصه التي تميزه عن غيره”.

وتتناقض نتائج الدراسة “التايوانية” مع مفاهيم رسخت لفكرة أن الجينات الوراثية المسببة للسمنة هي واقع قهري لا يمكن التحكم فيه، سواء بممارسة بالرياضة أو اتباع نظام غذائي معين، وهو المُعتقَد الذي تمكنت الدراسة الجديدة من نفيه، بل وإثبات عكسه.

تشدد “لين” على أن “معظم الدراسات السابقة ركزت بشكل رئيسي على قياس السمنة عبر مؤشر كتلة الجسم؛ لأنه من السهل حسابه. لكن قَصْر حساب السمنة على هذه الطريقة قد يتجاهل مقاييس أخرى مهمة، مثل نسبة الدهون الموجودة في الجسم مقارنة بوزن الجسم، لذا اعتمدنا في دراستنا على قياس السمنة من خلال خمسة معايير، تضمنت مؤشر كتلة الجسم، ونسبة الدهون في الجسم، ومحيط الخصر، ومحور الورك، ونسبة الخصر إلى الورك”.

قابلية العوامل الجينية للتعديل

فحص الباحثون بيانات 18424 صينيًّا ينتمون إلى عرقية “الهان”، وهي البيانات التي حصلوا عليها من خلال “البنك الحيوي بتايوان”، وتنوعت عينة البحث إلى 9093 رجلًا و9331 سيدة ليس لديهم تاريخ سابق للإصابة بالسرطان، أما أعمارهم فتراوحت بين 30 إلى 70 عامًا.

كما حصل الباحثون على عينات من دماء المشاركين، وقاموا بتحليل الحمض النووي الخاص بهم؛ لمعرفة السبب الحقيقي وراء إصابتهم بالسمنة، فضلًا عن مراقبة مدى مواظبتهم على أداء التمارين الرياضية، والحصول على معلومات تتعلق بنمط حياتهم عبر مقابلات تمت وجهًا لوجه.

توصَّل الفريق البحثي إلى أنه “يمكن التغلُّب على الآثار السلبية للبدانة التي تُسهم بها العوامل الجينية عن طريق تعديل نمط حياة الشخص وممارسته لأنواع بعينها من التمارين المنتظمة التي من شأنها الحفاظ على نشاط بدني منتظم، وأن الجري المنتظم هو الأكثر فاعليةً في تخفيض هرمونات السمنة الوراثية”.

و من جهته أوضح “أحمد عزب” -وكيل كلية التربية الرياضية لشؤون الدراسات العليا والبحوث بجامعة السادات- لـ”للعلم”: “تؤدي الجينات دورًا مهمًّا في المجال الرياضي؛ إذ تُعتبر مسؤولةً عن نصف المتغيرات في الأداء البدني والتكوين الجسمي، وقد تكون الجينات أهم من التدريب في تفسير فروق الأداء بين اللاعبين، وجميع الرياضات تتحكم في جينات السمنة ولكن بنسب متفاوتة، والرياضات الست التي ذكرتها الدراسة تقوم بتثبيط الجينات الوراثية الخاصة بالسمنة بصورة أكبر من غيرها؛ نظرًا لطبيعة ممارستها، التي تتطلب نشاطًا مستمرًّا للجسم”.

يضيف “عزب” أن “عملية إنتاج الطاقة هي الشغل الشاغل للقدرة على الأداء الرياضي بمستوياته المختلفة بصفة خاصة، وتنوُّع حركات الجسم والأنشطة البدنية المختلفة يقابله أيضًا تنوُّع كبير في نظم إنتاج الطاقة؛ فالطاقة هي مصدر الانقباضات العضلية المسؤولة عن أوضاع الجسم وحركاته المختلفة”.

وباء عالمي

تُعرف حالات السمنة وفرط الوزن بأنها تراكُم الدهون على نحوٍ شاذ ومفرط قد يؤدي إلى الإصابة بالأمراض. وتُعَد كتلة الجسم مؤشرًا بسيطًا للوزن مقابل الطول، الذي يُستخدم عادةً لتصنيف فرط الوزن والسمنة بين البالغين من السكان والأفراد عمومًا، وتُحسب عن طريق تقسيم الوزن (بالكيلوجرام) على مربّع الطول (بالمتر) (كيلوجرام/ م2).

وتؤدي حالات فرط الوزن والسمنة إلى مخاطر صحية، تزداد تدريجيًّا مع تزايُد منسوب كتلة الجسم، مثل الأمراض القلبية الوعائية، والسكري، والاضطرابات العضلية الهيكلية التي تحدُّ من قدرة الشخص على الحركة، وتؤثر على العظام والمفاصل والأطراف والعضلات، وبعض أنواع السرطان مثل سرطان الثدي، فضلًا عن وجود علاقة بين سمنة الطفولة وزيادة احتمال الوفاة المبكّرة، واحتمال الإصابة بحالات العجز في مرحلة الكهولة، وفق منظمة الصحة العالمية.

وتكتسب الدراسة أهميةً خاصةً بعدما تحولت السمنة إلى أحد أهم الأوبئة التي تضرب العالم؛ إذ تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد مَن يعانون من زيادة الوزن (معدل كتلة الجسم يعادل أو يزيد عن 25 درجة وفق معايير منظمة الصحة العالمية) على سطح الكوكب بلغ أكثر من 1.9 مليار من البالغين في عام 2016، وأن أكثر من 650 مليونًا من هؤلاء يعانون من السمنة المفرطة (تسجل معدل كتلة الجسم ما يعادل أو يزيد عن 30)، إضافة إلى أن أكثر من 340 مليون طفل ومراهق تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات إلى 19 سنة يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، أما عدد البالغين المصابين بالسمنة فقد ارتفع على مدى العقود الأربعة الماضية من 100 مليون شخص في عام 1975 إلى 671 مليون شخص في عام 2016، وأدت الزيادة المفرطة في وزن الجسم إلى 3.9% من حالات الإصابة بالسرطان في جميع أنحاء العالم في عام 2012.

وبالنسبة للمنطقة العربية، توضح خريطة أعدها “مؤشر موندي” -وهو بوابة بيانات تجمع الحقائق والإحصائيات من مصادر متعددة، وتحولها إلى صور مرئية وخرائط ومخططات وجداول سهلة الاستخدام- أن العرب يحتلون مرتبة متقدمة في خريطة البدانة حول العالم، باحتلال الكويت المرتبة السابعة بنسبة بلغت 38%، ثم الأردن (المرتبة التاسعة بنسبة 36%)، والسعودية وقطر (المرتبة العاشرة بنسبة 35%)، وليبيا (الحادية عشرة بنسبة 33%)، ومصر ولبنان والإمارات (المرتبة الثانية عشرة بنسبة 32%).

إدارة ذاتية

تقول “لين”: تمثل السمنة مشكلة صحية عامة خطيرة، ولا يمكن المبالغة في تقدير الفوائد التي تحققها ممارسة التمارين الرياضية لمواجهتها؛ إذ تنتج السمنة عن تفاعل عوامل وراثية (فطرية بطبيعتها) مع عوامل تتعلق بنمط حياة الشخص (وهي عوامل يمكن التحكم بها وإدارتها ذاتيًّا)، وقد حاولنا مساعدة مَن لديهم تاريخ وراثي في البدانة لإدارة وزنهم من خلال ممارسة أنواع الرياضات الست التي أشرنا إليها؛ إذ إن ممارسة بعض أنواع التمارين الرياضية بانتظام يمكن أن تخفف من التأثيرات الوراثية على أربعة تدابير للسمنة، تتضمن مؤشر كتلة الجسم ونسبة الدهون فيه، ومحيط الخصر ومحيط الورك، والانتظام في التمارين يعني المشاركة في أداء 30 دقيقة من التمارين ثلاث مرات في الأسبوع”.

من جهته، يقول “عماد فهمي” -استشاري التغذية العلاجية، وعضو الجمعية المصرية لدراسة أمراض السمنة- في تصريحات لـ”للعلم”: “إن ما طرحه البحث ليس جديدًا، لكنه مَصوغ بشكل مختلف. إذ إن الجينات المسؤولة عن مرض السمنة الوراثية -شأنها شأن الجينات الوراثية الأخرى المسببة للأمراض- قد يحملها اثنان من الأبناء، وقد يصاب بها شخص واحد، بينما لا يصاب بها شقيقه؛ لأن العادات الغذائية والسلوكية للأول سيئة أما العادات الغذائية والسلوكية للأخ الثاني فجيدة، وبالنسبة للرياضة فإنها تحسِّن عملية الأيض وترفع معدل النبض في الجسم وتساعد على حرق الدهون.

ويضيف أن “الرياضة من أكثر الممارسات التي تحسِّن المزاج العام، لكن تأثيرها على الأفراد يتوقف على مدى تقبُّل الشخص لها، بمعنى أن الشخص الذى يمارس رياضة الركض مثلًا (وهو يهواها) سيكون تأثيرها عليه أكبر من الشخص الذى يمارس الهواية بشكل اضطراري؛ إذ يُعتقد أن عملية الأيض تتحسن طرديًّا بتحسُّن المزاج. وبالتالي لا يجب تعميم هذه النتائج على أفراد آخرين”.

وكانت دراسة أمريكية، أُجريت علي 599 فردًا تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 35 عامًا قد شددت على ضرورة التدخل الذاتي للسيطرة على زيادة الوزن؛ إذ قسم الباحثون عينة البحث إلى ثلاث مجموعات: الأولى أدخلت تعديلًا بسيطًا على عاداتها الغذائية مع ممارسة تمارين بسيطة، والثانية أدخلت تعديلات كبيرة في كلٍّ من الغذاء والنشاط البدني، فضلًا عن مجموعة ثالثة ضابطة.

وأظهرت الدراسة، التي استمرت ثلاث سنوات، أن الأفراد الذين تبنَّوا إستراتيجيات ذاتية لضبط الوزن كانوا أكثر نجاحًا في منع زيادة الوزن، إذ تراجع عدد مَن يعانون من البدانة إلى أقل من 50% بنهاية الدراسة.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى