المجلةبنك المعلومات

“ريسيكلوبيكيا”..وفيما يزدريه الناس مكاسب

“ريسيكلوبيكيا”..وفيما يزدريه الناس مكاسب

بقلم : د. مجدي سعيد

جناحان لنهضة الشعوب الجناح الأول مفتاحه في كلمة واحدة: “الريادة” أو “المبادرة” أو “الإقدام” سمها ما شئت، واقتحم بروحها مجالات الحياة، اقتصادية كانت أم اجتماعية، أما الجناح الثاني فمفتاحه أيضا في كلمة واحدة “الموارد”، والتي تحتاج من الشعوب وأفرادها أولا إلى التعرف على ما لديها من تلك الموارد، وعلى قيمة تلك الموارد سواء في ذلك ما فيها من قيم ظاهرة أو مستترة تحتاج إلى بحث واستكشاف ، فالأعمار مثلا والأوقات مورد، والأفكار مورد، والقدرة والصحة والشباب مورد، والأموال والثروات بأنواعها طبيعية كانت أم صناعية مورد، والعلوم والمعارف مورد، والإنسان والبشر قبل ذلك وفوقه هو مورد الموارد، ثم يأتي بعد التعرف على الموارد وإدراكها التثمير، ثم التطوير.

وإذا كنا قد نوهنا في مقال سابق على مشروع “رائد أعمال” وأشرنا فيه بشكل عابر إلى أحد المشاريع الناشئة التي أخذت زمام المبادرة لاستثمار أحد الموارد الصناعية الكبيرة، وغير المستغلة بشكل كاف، وهو مشروع ريسيكلوبيكيا، والذي نشرت مجلة رائد أعمال حوارا مع مؤسسه، وقد رأيت أن ألقي الضوء هنا على هذا المشروع لما يتميز به من استغلال ثروة من الموارد المهملة، نحتاج إلى الالتفات إليها عبر بوابة ما يعرف بإعادة التدوير، فـ “ريسيكلوبيكيا” هي مشروع صغير ناشئ صاحبه شاب “مبادر” أدرك جزءا مما لدينا من الموارد المهدرة أو على الأقل التي لا يتم تثميرها إلا في دائر الفقر، وبالأخص فقر الفكر والمعرفة، وهو أعظم الفقر.

كم لدينا من موارد مهدرة يلقيها الناس في سلال المهملات أو جوانب البيوت والأسطح والطرقات ولا تجد من يلقي لها بالا، أو من يلقي لها بالا لكنه ينتفع باستثمارها في نطاق الفقر، وإذا كنا قد أشرنا في مقال سابق إلى العمل المبدع والرائع الذي يقوم به الأستاذ الدكتور حامد الموصلي فيما يخص مهملات الموارد النباتية والزراعية، فإن تجربة “ريسيكلوبيكيا” تعمل في مجال استثمار مورد مهمل آخر وهو “النفايات الإلكترونية”، وهي تلك النفايات التي يقدر حجمها سنويا بـ 50 مليون طن، فعلى سبيل المثال يتخلص الناس في الولايات المتحدة من 30 مليون كمبيوتر سنويا، بينما في أوروبا يتخلصون من 100 مليون تليفون محمول سنويا، ويتسبب التخلص غير المنظم من النفايات الإلكترونية في العالم النامي في مشكلات صحية ناتجة عن التلوث بما تحتويه هذه النفايات من معادن ثقيلة، وبينما يكمن الحل في إعادة التدوير، إلا أن إعادة تدوير تلك النفايات والتي تنشط أكثر في البلدان المتقدمة تحتاج إلى عناية خاصة بصحة العاملين فيها خوفا على صحتهم نتيجة تداول هذه المواد الخطرة.

رغم ذلك الخطر فإن هناك منافع اقتصادية وبيئية عظيمة من إعادة تدوير تلك النفايات، وهي المنافع التي مثلت فرصة ضخمة أمام “مصطفى حمدان” الشاب العشريني وهو طالب في كلية هندسة طنطا، حرك فيديو شاهده حول إعادة تدوير تلك النفايات فكره نحو تأسيس شركة خاصة، لكن فكرته كانت بحاجة إلى تمويل كي تبدأ، ومن ثم اشترك في مسابقة لأفضل أفكار لمشاريع نظمتها مؤسسة إنجاز غير الهادفة للربح والمعنية بدعم المشاريع الناشئة، وقد حصلت فكرته على المركز الأول في المسابقة، وتمويل قدره 10 آلاف دولار، فكان أن أسس شركته في أبريل من عام 2011، كي يصل عدد العاملين فيها الآن إلى عشرين موظفا، وتمتد خدماتها إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما ينتشر عملاؤها من مصانع تدوير النفايات الإلكترونية في كل من بلجيكا وألمانيا والصين وسنغافورا.

حددت شركة “ريسيكلوبيكيا” مهمتها في نشر ثقافة إعادة التدوير عن طريق تشكيل جيش خاص لمحاربة المخلفات الإلكترونية الخطرة وعلى عكس الحروب التقليدية تنعش هذه الحرب الاقتصاد وتحمي البيئة أما رؤية الشركة فهي أن تكون الأفضل على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تجميع المخلفات الإلكترونية لتحقيق طفرة نوعية في ثقافة تدوير هذه المخلفات في المنطقة مستهدفة من ذلك إنعاش الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة وإيجاد بيئة أكثر نظافة. الشركة ذات الثلاث سنوات، التي تقدم خدمة جمع وتدوير النفايات الإلكترونية للأفراد والمؤسسات في مصر والشرق الأوسط، ثم تقوم بعد ذلك بفرز وتصنيف المخلفات، وتفكيكها، وفصل الأجزاء الإلكترونية منها، وتجميعها، وتعليبها وتجهيزها للتصدير عبر شركات الشحن البحري، وقد حصلت الشركة على تكريمين آخرين الأول هو اختيارها ضمن العشرين الأوائل في مسابقة جوجل للشركات الناشئة، وفوزها بجائزة فيدإكس في مسابقة إنجاز العرب عام 2012.

نحن نتكلم هنا إذا عن فكرة/فرصة تأتي من مورد مهدر ومتجدد قابل للاستثمار، ونتحدث عن دعم تدريبي وتمويلي يحتاجه رواد الأعمال المحتملون في مجالات إعادة التدوير، وهو باب واسع للرزق للآلاف من العاطلين عن العمل، ليس فقط في النفايات الإلكترونية، ولكن في سائر أنواع المخلفات والنفايات النوعية (الزجاج، البلاستيك، المعادن، الورق، الكرتون، الأجهزة والمعدات، والبطاريات وغيرها، بدلا من أن تظل عمليات جمع وفرز القمامة تتم بالشكل التقليدي الملوث للبيئة، ومحدود الفاعلية في ذات الوقت، وربما تمثل الشركات التعاونية الصغيرة حلا مناسبا لتعميم فكرة دخول الشركات الحديثة في هذا المجال، وقد قدمت وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة دليلا عمليا للأفراد والمنظمات الراغبين في تأسيس تعاونيات تقدم خدمة إعادة التدوير يمكن الاستفادة منه في نشر هذا اللون الجديد من العمل التعاوني، مع مراعاة أن الدليل يحتاج إلى تعديل تفاصيله حتى تتناسب مع البيئات المختلفة، فمن يبادر ليعلم الناس صيد هذه الأسماك القابلة للتمدد؟

للمزيد عن شركة “ريسيكلوبيكيا” طالع موقعهم على الإنترنت:

وللمزيد من المعلومات عن النفايات الإلكترونية طالع موسوعة الويكيبيديا:

ولمطالعة دليل تأسيس تعاونيات إعادة التدوير:

وطالع معلومات ضافية عن إعادة التدوير على الويكيبيديا:

رابط صفحة الدكتور مجدى سعيد على الفيس بوك

“ريسيكلوبيكيا”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى