اختراعاتاختراعات طبيةالمجلةبنك المعلومات

تقنية تجعل الأشخاص الذين يعانون إصابات في الحبل الشوكي

كان روب سامرز مستلقيًا على ظهره في مؤسسة للتأهيل بولاية كنتاكي حين أدرك أن بإمكانه تحريك أصبع قدمه الكبرى. لأعلى ولأسفل، لأعلى ولأسفل. كان هذا أمرًا جديدًا عليه، وهو شيء لم يستطع فعله منذ صدمه شخص ما بسيارته وهرب، مسببًا إصابته بالشلل من منطقة الصدر إلى أسفل جسده. وعندما وقعة تلك الحادثة منذ أربع سنوات، أخبره الأطباء أنه لن يتمكن من تحريك النصف السفلي من جسده مطلقًا بعدها. والآن، أصبح سامرز جزءًا من تجربة رائدة تهدف إلى اختبار قدرة التحفيز الكهربائي لدى الأشخاص الذين يعانون من إصابات الحبل الشوكي.

قال سامرز: “انظري يا سوزي، يمكنني تحريك أصبعي”.

كانت سوزان هاركيما –اختصاصية الفسيولوجيا العصبية بجامعة لويفيل في كنتاكي– تجلس على مقربة منه، منهمكةً في مطالعة البيانات على حاسبها. كان رد فعلها متشككًا. فمن الممكن أن يتحرك أصبع سامرز، لكن هذا لا يمكن أن يحدث بإرداته. كانت واثقةً تمامًا بهذا. ومع هذا فقد قررت أن تمازحه. طلبت منه أن يغلق عينيه وأن يحرك أصبع قدمه اليمنى لأعلى، ثم لأسفل، ثم لأعلى. ثم انتقلت إلى أصبع القدم اليسرى. أدى سامرز المهمة على الوجه الأكمل.

قالت هاركيما: “يا للهول”. وصارت منتبهةً للأمر الآن.

سألها: “كيف يحدث هذا؟”.

أجابت: “ليست لديَّ أدنى فكرة”.

كان سامرز يلعب البيسبول في الجامعة، وكان يطمح إلى اللعب في الدوري الوطني، قبل أن تصدمه السيارة وتتسبب في قطع كل الأربطة والأوتار في رقبته، وهو ما جعل واحدةً من فقراته تسحق النسيج العصبي الرقيق المنوط بها حمايته في المقام الأول. وقد صنف الأطباء الإصابة بأنها كليَّة؛ فالروابط الحركية مع قدميه قد أُتلِفَت تمامًا.

عندما زرعت هاركيما وزملاؤها شريطًا من الأقطاب الدقيقة في حبل سامرز الشوكي في عام 2009، لم يكونوا يحاولون استعادة قدرته على الحركة بنفسه، بل كان الباحثون يأملون أن يبينوا أن الحبل الشوكي يحتوي على جميع الدوائر الكهربائية الضرورية كي يقف الجسم ويخطو. لقد ظنوا أن مثل هذا النهج من الممكن أن يتيح للأشخاص الذين يعانون من إصابات في الحبل الشوكي الوقوف والمشي، وذلك باستخدام التحفيز الكهربائي الذي يحل محل الإشارات التي كانت سابقًا تصدر من الدماغ.

لذا، عندما حرك سامرز أصابع قدميه، كانت هاركيما ذاهلةً مشدوهة.

كان معروفًا منذ زمن بعيد أن إصابات الحبل الشوكي تؤدي إلى انقطاع الروابط بين الدماغ والأطراف. وعلى مدار عقود، ركز الباحثون على إصلاح هذه الروابط، باستخدام الخلايا الجذعية، على سبيل المثال. غير أن النتائج التي توصلت إليها هاركيما ومجموعتها، إضافةً إلى مختبرات أخرى، تشير إلى أن بعض الروابط تظل سليمة، حتى في حالة الأشخاص الذين يعانون من أكثر صور التلف فداحةً. ويبدو أن التحفيز الكهربائي يساعد على تضخيم الرسائل المرسلة عبر مكان الإصابة، وإعادة بناء هذه الروابط.

بعد عامين من التدريب البدني، خضع روب سامرز لزراعة جهاز تحفيز لمنطقة فوق الجافية في ظهره. Credit: Luke Sharrett for Nature

يُعد النشاط المفاجئ المدهش للروابط العصبية لدى سامرز جزءًا من سلسلة من التطورات التي أدت إلى إنعاش أبحاث إصابات الحبل الشوكي. ففي العام الماضي، تصدرت مختبرات في كنتاكي، ومينيسوتا، وسويسرا عناوين الأخبار بفيض من دراسات الحالة. وقد ساعدت أجهزة التحفيز التي صُمِّمَت بالأساس لعلاج الألم المزمن عشرات المصابين بالشلل على تحريك أصابع أقدامهم، أو ثني سيقانهم، أو المشي بمساعدة الغير مسافةً تصل إلى كيلومتر كامل في بعض الحالات. غير أن هذه الأجهزة يبدو أنها تقدم أيضًا فوائد أوسع. فقد شهد بعض المشاركين في التجارب تحسنًا في ضغط الدم، والسيطرة على الأمعاء والمثانة، والوظائف الجنسية، وهي قدرات عادةً ما يقدِّرها مَن يعانون من إصابات الحبل الشوكي تقديرًا أكبر من استخدام سيقانهم. وفي بعض الحالات، استمرت هذه الفوائد حتى بعد إطفاء أجهزة التحفيز. وقد عزَّزت هذه النتائج الأمل في تحسين جودة الحياة، حتى للأشخاص الذين تعرضوا للشلل منذ سنوات أو عقود مضت، كما أن النتائج تخالف المعرفة التقليدية فيما يخص إصابات الحبل الشوكي. يقول ريجي إدجرتون، عالِم الفسيولوجيا بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، الذي شارك عن كثب في هذه الأبحاث: “إنها لعبة جديدة للغاية”.

وتضم قوائم الانتظار للمشاركة في تجارب التحفيز الآن آلاف الأسماء. وقد بدأ مستشفى واحد على الأقل في تقديم الإجراء التجريبي –بتكلفة تبلغ عشرات الآلاف من الدولارات– وذلك من دون الحصول على تصديق رسمي أو تقدير كامل للمخاطر والفوائد.

يرى البعض أن هذه الضجة المثارة مألوفة؛ فالسعي إلى علاج الشلل كلف مئات الملايين من الدولارات ولم يتمخض حتى الآن إلا عن تنبؤات واعدة وآمال محطمة. لقد آمن الممثل كريستوفر ريف -أحد أشهر الشخصيات العامة التي عانت من إصابة بالحبل الشوكي- إيمانًا راسخًا بأنه سيتمكن من المشي مجددًا بفضل مجال الخلايا الجذعية المزدهر. قال ريف في مقابلة عام 2001، قبل ثلاثة أعوام من وفاته: “أعلم أن ثمة علاجًا سيظهر قريبًا لنوعية الإصابة التي أعاني منها”. لكن بعد قرابة عقدين، لم يظهر هذا العلاج الموعود بعد.

يواجه هذا المجال مفترق طرق حاسمًا بينما يحاول تحديد كيفية تحويل النتائج التي تبدو إعجازية إلى علاج قابل للتطبيق، حسبما يقول كيث تانسي، عالم الأعصاب في مركز التأهيل المنهجي في جاكسون بولاية ميسيسيبي. فالباحثون لا يزالون غير مدركين تمامًا لكيفية عمل التحفيز الكهربائي. ويضيف تانسي: “علينا أن نعرف المزيد عن هذا الأمر. وعلينا أن نكون أقل قلقًا بشأن ما إذا كنا نبدو بمظهر جيد على غلاف مجلة «تايم»، وأن نهتم بدرجة أكبر بشأن ما إذا كنا نحقق بالفعل تقدمًا نحو غاية مساعدة المرضى”.

نمط من أجل التقدم

بدأ الطريق المؤدي إلى قدرة سامرز على تحريك أصابع قدميه بقطط تسير على مشاية كهربائية.

في سبعينيات القرن العشرين، بدأ إدجرتون العمل على نموذج جرت دراسته مدةً طويلة؛ من أجل فهم عملية الحركة. يمكن تعليق القطط التي تعرَّض حبلها الشوكي للتلف أعلى مشاية كهربائية وتدريبها على المشي مجددًا عن طريق توجيه سيقانها في حركة شبيهة بالخطوات. ومع التدريب، تؤقلم القطط مشيتها كي تواكب سرعة المشاية الكهربائية، بل وحتى تغير اتجاهاتها، من دون أن يتطلب ذلك أي مشاركة من الدماغ. وتتحكم الدائرة الكهربائية الشوكية التي تدفعها إلى الأمام –والتي تسمى «مولِّد النمط المركزي»- في الحركة، وكان إدجرتون يحاول فهم كيفية عملها.

حين انضمت هاركيما إلى مختبر إدجرتون، في عام 1993، لم تكن شديدة الاهتمام بدراسة الحبل الشوكي، وتقول إنها اختارت جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس بسبب الطقس. لكن حين بدأت هاركيما العمل مع القطط، انبهرت بقدرة هذه الحيوانات على استعادة الكثير من وظائفها. وقد أوكل إدجرتون إلى هاركيما مهمة إعداد تجربة مشابهة للبشر الذين يعانون من إصابات في الحبل الشوكي. فربما يؤدي تدريب صارم مصمم لإيقاظ مولِّد نمط مركزي لدى البشر إلى تمكينهم من المشي بدورهم.

نجح الأمر إلى حدٍّ ما. فقد ساعد تدريب الخطوات على المشاية الكهربائية، مع دعم وزن الجسد، الأشخاص ذوي الإصابات في الحبل الشوكي –لا سيما الإصابات الأقل حدة– على تحسين قدرتهم على الحركة. غير أن هاركيما وإدجرتون أرادا رؤية نتيجة أكبر. وبدت أجهزة تحفيز منطقة فوق الجافية، التي توصل التيار إلى الأجزاء الدنيا من الحبل الشوكي، خيارًا جيدًا.

استُخدمَت هذه الأجهزة في علاج الألم المزمن منذ ستينيات القرن العشرين، غير أن الباحثين رأوا أدلةً مبكرة على أن بمقدورها فعل المزيد. فلدى الأشخاص ذوي إصابات الحبل الشوكي، مثلًا، بدا أن أجهزة التحفيز تقلل معدل التشنجات اللاإرادية. وفي إحدى الدراسات، فحص الباحثون أشخاصًا يعانون من إصابات في الحبل الشوكي زُرعَت فيهم أجهزة التحفيز لهذا السبب. وعندما شرع العلماء في عملية التحفيز، بدأ المرضى يحركون سيقانهم بصورة منتظمة وتلقائية. تقول كارين ميناسيان، اختصاصية الفيزياء الطبية بجامعة ميديكال يونيفرستي في فيينا: “كان الأمر –ولا يزال– على الأرجح بمنزلة الدليل الأكثر وضوحًا على وجود ما يسمى بمولِّد النمط المركزي للحركة لدى البشر”. بل وكانت ثمة تلميحات من إحدى الدراسات إلى أن التحفيز يمكنه استعادة القدرة على الحركة الإرادية، على الأقل لدى الأشخاص ذوي الإصابات غير الكلية: أي أولئك الذين احتفظوا بقدر من الإحساس والقدرة على الحركة في الأجزاء السفلية من أجسادهم.

يتحكم الباحثون في مصفوفة الأقطاب الكهربائية الموجودة في الحبل الشوكي لروب سامرز باستخدام حاسب لوحي.
Credit: Luke Sharrett for Nature

وفي عام 2002، أفاد باحثون في أريزونا بأنهم علَّقوا رجلًا يبلغ من العمر 43 عامًا يعاني من إصابة بالحبل الشوكي فوق مشاية كهربائية في أثناء تحفيز حبله الشوكي. كان الرجل يعاني من إصابة غير كلية. وبعد التدريب والتحفيز، استطاع أن يسير “بنمط حركة منسق ودون أي جهد تقريبًا”، وفق وصف الباحثين.

بدأت هاركيما وإدجرتون مناقشة إمكانية استخدام النهج ذاته. كانا بحاجة فقط إلى مريض اختباري لإثبات صحة المبدأ، ووجدا في سامرز ضالتهما المنشودة.

إنجاز الوقوف

خلال صيف عام 2006، كان روب سامرز يعيش ويتنفس البيسبول. كان يلعب في مركز الرامي في فريق بيفرز بجامعة أوريجون ستيت يونيفرستي الحكومية، وكان قد فوَّت للتو اللعب في بطولة المباريات العالمية للجامعات بسبب إصابة في الورك. لذا كان يتدرب بقوة كي يحجز مكانًا في التشكيلة الأساسية للفريق في الموسم التالي. وذات ليلة، وبينما كان يُخرج حقيبة التدريبات الرياضية من سيارته، سمع صوت سيارة مسرعة على الطريق. لمح بالكاد الأضواء الأمامية للسيارة قبل أن تصطدم به وتسرع مبتعدة. ظل سامرز راقدًا على الأرض وهو ينزف حتى وقت مبكر من صباح اليوم التالي، حين عثر عليه أحد الجيران.

لا يتذكر سامرز الكثير عن الشهر الذي قضاه في المستشفى، لكنه يتذكر أن الأطباء انتظروا حتى يكون محاطًا بالعائلة كي يخبروه بأنه أُصيب بالشلل. لم يحاولوا تزويق الكلمات، وقالوا له بوضوح: “لن تتمكن من المشي مجددًا. لن تشعر بأي شيء”. رفض سامرز تصديق ذلك؛ فالأطباء لا يعلمون كم هو عنيد، وكم يمكنه أن يبذل من جهد. قال سامرز لوالديه: “سأتغلب على هذا”.

وبعد عام من التأهيل المكثف، استعاد سامرز بعض الإحساس في أطرافه، لكنه لم يتمكن من تحريك النصف السفلي من جسده؛ فقد كانت إصابته تعتبر إصابة «حركية كلية». إلا أنه كان مقتنعًا بأنه بحاجة إلى العلاج الصحيح وحسب. لذا أرسل هو ووالداه أكثر من 200 رسالة بريد إلكتروني إلى العديد من المنشآت البحثية حول العالم، وعن هذا يقول سامرز: “إلى إسرائيل، وأوروبا، وروسيا، وكوبا، واليابان، والصين، وأمريكا الجنوبية، وكل مكان يمكن تصوُّره”.

أدت حملة الرسائل به إلى الالتحاق بورشة تدريب للتأهيل في تكساس، وهناك قابل هاركيما، التي كانت في ذلك الوقت قد دشنت مختبرها الخاص بجامعة لويفيل. وفي سبتمبر 2007، طار سامرز إلى هناك برفقة والده كي يأخذ جولة في المنشأة. وحين ذكرت هاركيما أن فريقها لديه خطط لدراسة تحفيز منطقة فوق الجافية، تحمس سامرز. كان من المفترض أن يطير عائدًا إلى بورتلاند في اليوم التالي، لكنه بدلًا من ذلك استأجر شقة واتصل بهاركيما قائلًا: “أنا موافق على المشاركة. أراكِ غدًا في الثامنة صباحًا”.

وفي لويفيل، أمضى سامرز أكثر من عامين في التأهيل المكثف من أجل تقييم ما إذا كان هناك أي احتمال للتعافي من دون التحفيز. وبعد ذلك، في ديسمبر عام 2009، أوصله فريق هاركيما بجهاز تحفيز منطقة فوق الجافية. وضع الفريق مصفوفة من 16 قطبًا في المساحة بين الفقرات والحبل الشوكي. وكان ثمة سلك يصل المصفوفة بجهاز تحفيز، وهو جهاز قابل للشحن يبلغ حجمه نصف حجم مجموعة أوراق اللعب، وكان مستقرًّا فوق ردفه مباشرة. وكان الأطباء يتحكمون في جهاز التحفيز عن بُعد.

عندما شغَّل الباحثون جهاز التحفيز، شعر سامرز على الفور بوخز خفيف. وبعدها بثلاثة أيام، حاول الفريق حثه على النهوض. في البداية كان ثمة معدات تدعم وزنه بالكامل. وتدريجيًّا بدأ الفريق تقليل المساعدة إلى أن صار سامرز يقف بمفرده. نظر إلى عضلات ساقيه المنقبضة في المرآة، وقال لنفسه: “لا يمكن أن يكون هذا حقيقيًّا”. وبعد ذلك نظر في أرجاء الغرفة. كانت الدموع تنهمر من عيني والدته. تقول هاركيما: “كان الحاضرون يبكون ويصيحون ويسألونني: “كيف يحدث هذا؟” كان هناك الكثير من الصخب”.

غير أن هذا لم يكن شيئًا مقارنةً بالعاصفة التي حدثت بعد ذلك بستة أشهر؛ إذ مكَّن التحفيز الكهربائي سامرز من تحريك أصابع قدميه. كان فريق هاركيما يأمل تشغيل الدائرة الكهربائية المسؤولة عن الوقوف والخطو في الحبل الشوكي والساقين، لكنهم لم يكونوا يتوقعون أن ينالوا أي مساعدة من الدماغ. وقد اتصلت هاركيما بإدرجتون في مختبره في لوس أنجلوس كي تخبره عن أصابع قدمي سامرز. ويتذكر إدجرتون أنه قال لنفسه: “يا إلهي، لا يمكن أن يكون هذا حقيقيًّا. سيظن الجميع أننا دجالون”.

اتخاذ بعض الخطوات

عندما نشرت هاركيما وزملاؤها تفاصيل حالة سامرز في عام 2011، كان الكثير من العلماء متشككين. يقول كيندال لي، جراح الأعصاب في مايو كلينيك في روتشستر بولاية مينيسوتا: “لم أصدق الأمر”. فكل ما تعلَّمه “لي” كان يخبره أنه بمجرد أن تنقطع الروابط مع الدماغ فإنها لا تعود مطلقًا.

لكن تدريجيًّا، بدأت الأدلة تتراكم. فقد نشرت هاركيما وفريقها دراسةً أخرى في عام 2014 عن سامرز وثلاثة أشخاص آخرين، من بينهم شخصان لم يكن لديهما أي حركة أو إحساس في الجزء السفلي من الجسد. وقد استعادوا جميعًا قدرًا من الحركة الإرادية. وسرعان ما أخذ آخرون يحاولون تجربة هذا الأسلوب مع البشر، ويتطلعون ليروا ما إذا كان من الممكن تمكين المرضى من أخذ خطوات بعيدًا عن المشاية الكهربائية.

كان جريجوار كورتين –عالِم الأعصاب في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا EPFL في لوزان– قد درس أيضًا مع إدجرتون؛ إذ بدأ في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس قبل بضع سنوات من رحيل هاركيما إلى لويفيل. وقد انتقل إلى أوروبا في عام 2008 لدراسة تحفيز منطقة فوق الجافية لدى القوارض، وأخيرًا لدى قردة المكاك الريسوسية.

وبحلول عام 2015، شعر كورتين بأنه مستعد لاختبار التكنولوجيا على البشر. استخدم فريقه جهاز تحفيز الألم القياسي نفسه الذي استخدمته هاركيما، غير أنه عدَّل برمجته بحيث يستطيع إصدار أنماط من التحفيز مضبوطة التوقيت بحيث تتوافق مع فعل المشي. يقول كورتين: “نحن نحاول حقًّا تنشيط الحبل الشوكي على النحو المدرب الدماغ على فعله”. وكان ثمة اختلاف كبير آخر عن دراسات هاركيما؛ فقد استعان فريق كورتين بأشخاص يعانون من إصابات جزئية، على أمل أن يكون ظهور التعافي في هذه الفئة أيسر من الأشخاص ذوي الإصابات الكلية.

في الوقت نفسه، ساعد إدجرتون مجموعةً ثالثة، في مايو كلينيك، على إجراء تجربة سريرية أخرى. ففي عام 2016، شرع لي، وعالِمة التأهيل كريستين زاو، وزملاء لهما في محاولة تكرار نتائج تجربة هاركيما. استعانوا بمريضين قضيا حوالي ستة أشهر في العلاج البدني قبل زراعة جهازي التحفيز فيهما، ثم عشرة أشهر أخرى بعد تشغيل الجهازين. كان الهدف إظهار أن التحفيز والتدريب يمكنهما تحسين قدرة المريضين على الوقوف وتحريك الأجزاء السفلية من جسديهما بصورة إرادية. غير أن المريض الأول حقق هذه الأهداف بسرعة بالغة، لدرجة أن الباحثين قرروا إضافة المشي إلى بروتوكول الدراسة.

وفي خريف عام 2018، نشرت الفرق الثلاث نتائجها عن المرضى الثمانية الأوائل. وإجمالًا، تمكن ستة مرضى من تحقيق صورة من صور المشي على الأرض بمساعدة أشياء مثل الحبال، أو العكاكيز، أو القضبان المتوازية. حظي المريضان الآخران ببعض الفوائد أيضًا؛ فبفضل التحفيز، تمكَّنا من الجلوس والوقوف دون مساعدة، واستطاع أحدهما أن يخطو بعض الخطوات على المشاية الكهربائية دون دعم.

يقول تشيت موريتز، باحث التأهيل الطبي بجامعة واشنطن في سياتل: “لم تبدأ الكتلة الحرجة في التشكُّل حقًّا إلا في العام الأخير. حينذاك بدأنا نشعر فعلًا بأننا حققنا طفرة”.

استيقاظ الأمل

لقد شهد المجال «طفرات» أخرى من قبل. فقد نادى ريف -بشغف وبصورة مقنعة- بتمويل أبحاث الخلايا الجذعية على أمل إصلاح تلف الأعصاب. وقد أظهرت تسجيلات فيديو فئرانًا مشلولة حُقنَت أحبالها الشوكية بالخلايا وهي تستعيد بصورة إعجازية قدرتها على المشي أو استخدام براثنها. وكثيرًا ما بدا أننا على وشك التوصل إلى علاج.

إلا أنه قد ثبت أنه من الصعب تكرار هذه النتائج مع البشر. فعلى الرغم من وجود تجارب سريرية جارية على البشر باستخدام الخلايا الجذعية –وعلى الرغم من أن بعضها يُظهر نتائج واعدة– فإن الحماس تجاه هذا النهج –من جانب الممولين، والمرضى، والباحثين– قد خبا، وفق قول تانسي. فلا يزال العمل جاريًا على تطوير أساليب أخرى معتمدة على التكنولوجيا الحديثة لعلاج الشلل، مثل واجهات الدماغ والحاسوب BMIs. كما أن الهياكل الخارجية المزودة بالطاقة مطروحة بالفعل في الأسواق، لكنها باهظة الثمن، ولا تواجه المشكلة الأساسية المتعلقة باستعادة الروابط العصبية. يقول بيتر جراهن، عالِم الأعصاب في مايو كلينيك، الذي كان باحثًا رئيسيًّا مشاركًا في دراسة التحفيز، والذي يعاني هو نفسه من إصابة في الحبل الشوكي: “لقد سمعنا جميعًا أنه “بعد خمس سنوات، سيكون هناك علاج سحري” أو ما شابه ذلك. وهذا ما نسمعه طوال الوقت، لأن خمس سنوات فترة طويلة بما يكفي كي ينسى الجميع الأمر”.

لكن في نظر كثير من المتابعين المهتمين بالمسألة، يقدم التحفيز الكهربائي وعودًا لا تشوبها المبالغات. وعلى وجه التحديد، يمتلك التحفيز الكهربائي تاريخًا طويلًا في علاج الألم المزمن، وفق قول ماثيو رودريك، المدير التنفيذي لجماعة الضغط التي تحمل اسم «يونايت تو فايت بارالسيس» Unite 2 Fight Paralysis، وهي جماعة ضغط معنية بإصابات الحبل الشوكي، مقرها في هود ريفر بولاية أوريجون. ويقول رودريك: “إنه جهاز موجود في الأسواق، وزُرع بالفعل في مئات الآلاف من الأشخاص”. ويضيف قائلًا: إن هذا لا يعني أن الإستراتيجية ستنجح، لكن على الأقل صار الطريق نحو التصديق ممهدًا.

لا تزال ثمة أسئلة كبرى متعلقة بالكيفية التي يعمل بها التحفيز الكهربائي، ولماذا يبدو أن بعض الفوائد تستمر حتى بعد إطفاء أجهزة التحفيز. ويتبين الآن على نحو أكثر وضوحًا أنه في حالة بعض الأشخاص ذوي الإصابات التي تُعتبَر كُلِّيَّة، تظل بعض المسارات العصبية الخاصة بالتحكم الحركي الآتية من الدماغ سليمة. كل ما في الأمر أنها خاملة ولا تستطيع تحفيز استجابة في الخلايا العصبية الواقعة أدنى منطقة الإصابة. ويبدو أن تحفيز منطقة فوق الجافية يجعل الخلايا العصبية أكثر قابليةً للاستثارة، أي أكثر احتمالًا لإطلاق الإشارات عندما تأتيها إشارات من الدماغ تخبرها بتحريك أصبع قدم أو البدء في السير. ويمكن للتيار الكهربائي أن يجبر الخلايا العصبية على إطلاق الإشارات ويجبر العضلات على الانقباض، لكن ليس هذا ما حدث لأولئك الذين بدءوا في السير. يقول موريتز: “لا يكون الشخص مجبرًا على أن يخطو؛ فالعملية ليست روبوتية”.

القدرة على المشي التي اكتسبها روب سامرز وغيره تتطلب دعمًا ومراقبة عن كثب. لكن المشي لا يمثل إلا فائدةً واحدةً فقط من الفوائد التي قالوا إنهم حصلوا عليها. Credit: Luke Sharrett for Nature

أما عن سبب استمرار بعض الفوائد لدى بعض المرضى، فثمة بضعة تفسيرات محتملة. فربما يسمح التحفيز للأفراد بالمشاركة على نحو أكثر اكتمالًا في عملية التأهيل، ويقوي العضلات والروابط العصبية عن طريق التدريب. أو ربما يعزِّز الليونة، التي تساعد على إعادة توصيل الدوائر الكهربائية حول منطقة الإصابة. وهذا احتمال جذاب للغاية؛ لأنه قد يعني وجود إمكانية للتحسُّن مع مرور الوقت.

ومع ذلك، لا يزال يتعين على الباحثين تحديد مَن قد يحقق أقصى استفادة ممكنة من هذا الإجراء. تقول هاركيما إن الأشخاص العشرين الذين خضعوا لعملية زراعة جهاز التحفيز في لويفيل استعادوا جميعًا بعض القدرة على الحركة الإرادية. لكن تانسي يرى أنه يبدو واضحًا أنه ليس بمقدور كل مَن يعاني من إصابة بالحبل الشوكي أن يتحسَّن، وهو يريد أن يجد طريقة لاختيار الأفراد؛ لأن زراعة جهاز طبي داخل الحبل الشوكي ليست بالأمر الهين؛ فثمة مخاطر ينطوي عليها الأمر.

وعلى الرغم من أن أجهزة التحفيز حصلت على تصديق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لعلاج الألم المزمن، إلا أنها تسبب أحيانًا بعض الآثار الجانبية غير المرغوب فيها، بل والخطيرة. فقد أشار المتلقون إلى تعرُّضهم للصعق، أو لحروق، أو لتلف في الأعصاب أدى إلى ضعف العضلات أو حتى الشلل. وقد وجد تحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برِس عام 2018 أن أجهزة التحفيز مسؤولة عن قرابة 80 ألف إصابة منذ عام 2008، أكثر من أي جهاز طبي آخر، باستثناء مضخات الأنسولين ومفاصل الورك المعدنية.

وربما كانت هناك مخاطر خاصة بالأفراد الذين يعانون من إصابات بالحبل الشوكي، الذين يكونون أكثر عرضةً للعدوى، وغالبًا ما يعانون من انخفاض كثافة العظام. وقد تعرَّض أحد المرضى المشاركين في أحدث دراسات فريق هاركيما لكسر بمفصل الورك، وهو ما تطلَّب عددًا من العمليات الجراحية التي أدت إلى الإصابة بالعدوى.

وكانت هناك أيضًا بعض المشكلات المُبلغ عنها والتي يصعب تفسيرها. ففي عام 2015، انضم زاندر موزجوسكي، الذي يعاني من إصابة بالحبل الشوكي، إلى واحدة من تجارب إدجرتون السريرية؛ من أجل اختبار تأثير التحفيز غير المخترق للجسم «عن طريق الجلد»، والذي توضع فيه الأقطاب الكهربائية على سطح الجلد. وقد بدأ زاندر يشعر لاحقًا بتشنجات وألم في الجزء السفلي من جسده كانت حدته تتفاقم مع الوقت. وفي عام 2016، زرع الأطباء جهازًا لتحفيز منطقة فوق الجافية؛ من أجل محاولة التحكم في التشنجات، لكن بدا أن الجهاز جعل الحالة أسوأ، وفي النهاية طلب زاندر إزالته. وفي عام 2018، رفع دعوى بسوء الممارسة الطبية ضد كلٍّ من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وإدجرتون، وشركة نيورو ريكفري تكنولوجيز –الشركة الواقعة في سان خوان كابيسترانو بولاية كاليفورنيا، والتي شارك إدجرتون في تأسيسها– وجهات أخرى. ولا يزال نظر الدعوى جاريًا، لكن في تصريح لدورية «نيتشر»، قال نيك تيرافرانكا، الرئيس التنفيذي لشركة نيورو ريكفري تكنولوجيز: “استُخدمَت أجهزة التحفيز مع أكثر من 60 مشاركًا في الدراسة دون الإبلاغ عن أي حادثة ضارة مرتبطة مباشرةً باستخدام الجهاز الذي تطوره الشركة وتنتجه”. ويضيف تيرافرانكا قائلًا: إن الآثار الجانبية التي سجلتها الشركة، متضمنةً تشنجات العضلات، كانت “مؤقتة وزائلة بطبيعتها”.

وُجِّهَت كذلك بعض الانتقادات إلى أبحاث هاركيما. ففي عام 2015، أرسل أحد زملائها خطابات إلى مجلس المراجعة المؤسسي التابع لجامعة لويفيل، و«برنامج حماية البشر الخاضعين للتجارب» التابع للجامعة، وإلى المعهد الوطني للإعاقة والعيش المستقل والتأهيل NIDILRR، الذي موَّل بعضًا من أبحاثها، مُعرِبًا عن قلقه بشأن أربع من دراسات هاركيما. وقد كشف تحقيق داخلي أن العلماء قد فشلوا في تتبُّع الأحداث الضارة ومراقبتها، وحادوا عن بروتوكولات الدراسة، ولم يحتفظوا بسجلاتها كما ينبغي. ونتيجةً لذلك، سحب المعهد تمويله لواحدة من الدراسات، وهي استقصاء تكلفته 914 ألف دولار حول تأثيرات عقار مُرخٍ للعضلات وتدريب على المشاية الكهربائية على أشخاص ذوي إصابات في الحبل الشوكي. كما أجرى مكتب حماية البحوث على البشر تحقيقًا، لكنه لم يفرض عقوبات على هاركيما. وقالت الوكالة أيضًا إن الإجراءات التصحيحية التي اتخذها فريق هاركيما عالجت جوانب عدم الامتثال بصورة كافية.

تقر هاركيما بأن فريقها لم يكن يحتفظ بالسجلات بصورة مثالية، لكنها تنكر كل المزاعم المتعلقة بالمخالفات الخطيرة، خاصةً الاتهام القائل بأن فريقها يعرِّض المرضى للخطر. تقول: “أي شخص يزور برنامجنا البحثي يندهش في واقع الأمر من كل الإجراءات التي نتخذها من أجل حماية المشاركين في الأبحاث”.

استمرت أبحاث هاركيما بخطًى متسارعة. وتدعم مؤسسة كريستوفر ودانا ريف في شورت هيلز بنيوجيرسي الأبحاث الهادفة إلى اختبار تحفيز منطقة فوق الجافية في 36 فردًا آخرين في مختبر لويفيل. وحتى شهر يوليو، جرت زراعة أجهزة التحفيز في 11 شخصًا.

ما وراء الخطوات الأولى

في المجتمعات المشيدة للأشخاص الذين لا يعانون من إعاقات، اكتسب المشي أهميةً هائلة. تقول جينيفر فرِنش، المشاركة في تأسيس منظمة نيوروتِك نِتورك، وهي منظمة غير ربحية في سان بيترسبرج بولاية فلوريدا، مكرسة لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقات في الحصول على الأجهزة التكنولوجية العصبية: “المشي والوقوف أمران جذابان؛ فهما يجعلان الناس أكثر حماسًا”.

غير أن المشي ليس كلَّ شيء، وفق قول كيم أندرسون، الباحثة في جامعة كيس ويسترن ريزرف في كليفلاند بأوهايو، ورئيسة اتحاد أمريكا الشمالية لإصابات الحبل الشوكي. ففي عام 2004، أجرت كيم استطلاعًا شمل نحو 700 شخص يعانون من إصابات الحبل الشوكي، وكانت استعادة وظائف الذراعين واليدين هي الأولوية العُليا بفارق كبير لدى مَن يعانون من الشلل الرباعي، تبعتها استعادة الوظائف الجنسية. وبالنسبة للمصابين بشلل النصف السفلي، كان التحسُّن المرغوب بالدرجة الأكبر هو التحسُّن في الوظائف الجنسية، يليه التحكم في حركة الأمعاء والمثانة، وتقليل احتمالات الإصابة بخلل المنعكسات المستقل، وهي حالة مهدِّدة للحياة يصاحبها ارتفاع ضغط الدم وانخفاض ضربات القلب.

بعد أن كُسر عنق ستيفاني بوتنام في حمام السباحة، كان المشي هو أقل ما يشغلها. فقد تسببت الإصابة في إصابتها بالشلل فيما دون العنق، ولم يكن باستطاعتها التنفس بمفردها. تقول بوتنام: “لم أكن أفكر في أنني أريد الوقوف أو المشي، بل كان لسان حالي: أريد أن أعيش”.

وحتى بعد استعادة قدرتها على التنفس، لا تزال بوتنام تعاني من المتاعب، خاصةً الحفاظ على ضغط دم طبيعي. فلا الأدوية ولا ثلاثة مشدات جعلته مرتفعًا بما يكفي للحيلولة دون فقدانها للوعي. كانت تفقد الوعي ست أو سبع مرات في اليوم، ولم يكن باستطاعتها قيادة أي مركبة، ولم يكن بالإمكان تركها بمفردها. وعندما بدأت تحضر بعض المحاضرات بالجامعة، تعيَّن على والديها أن يلصقا لافتةً على ظهر مقعدها المتحرك يطلبون فيها من المارة إمالتها إلى الخلف لو وجدوها فاقدة الوعي. تقول ستيفاني: سئمت من قول الأطباء لي مرارًا وتكرارًا: “سيظل الحال كذلك”.

وفي عام 2017، انتقلت بوتنام إلى لويفيل كي تنضم إلى دراسة أخرى من الدراسات التي تُجريها هاركيما، وهي دراسة لم تكن تركز على المشي، بل على الجهاز القلبي الوعائي. وبالنسبة لحالة بوتنام، كانت تأثيرات التحفيز فورية وعميقة؛ فهي لم تفقد الوعي منذ شهور، ولم تعد تحتاج إلى رعاية على مدار الساعة، وبإمكانها القيادة مجددًا. أظهر المشاركون الثلاثة الآخرون في الدراسة تحسنًا كبيرًا في ضغط الدم بدورهم.

رأى ديفيد دارو –جراح الأعصاب في كلية الطب بجامعة مينيسوتا في مينيابوليس– عددًا لا حصر له من الإصابات الشبيهة بإصابة سامرز وبوتنام. ويقول: “كان ذلك هو الجزء الأسوأ من عملي تقريبًا”. كان دارو يصلح هيكل الحبل الشوكي وهو يعلم أنه ليس بمقدوره فعل أي شيء لاستعادة وظائفه. لذا فإنه يقول عن تلك اللحظة التي سمع فيها حديث إدجرتون عن الوعد الذي يقدمه تحفيز منطقة فوق الجافية في مؤتمر عُقِد عام 2015: “أصبت بالذهول. لم أتصور السبب الذي يمنع وجود عشرات من المراكز التي تعمل على هذا الأمر”.

شك دارو في أن النتائج قد تكون زائفة، لكنه أراد أن يتحقق بنفسه. لذا فقد شرع في تصميم دراسة من نوع جديد تمامًا. كانت المجموعات الأخرى قد درست تحفيز منطقة فوق الجافية بالترافق مع عملية تأهيل مكثفة قبل زراعة جهاز التحفيز وبعدها. وأراد دارو أن يعرف التأثير الذي سيُحدثه التحفيز وحده.

كذلك هذه الدراسة تختلف عن غيرها من التجارب في جانب آخر مهم: أن تجاربها لا تركز على الوقوف أو المشي. وبدلًا من ذلك، تدرس مجموعة دارو الحركة الإرادية والتحسينات في الوظائف القلبية الوعائية، ووظائف المثانة والأمعاء، والوظائف الجنسية.

زرع دارو وفريقه عشرة أجهزة تحفيز في عشرة أشخاص، وفي مارس الماضي نشر نتائج أول اثنين من المرضى. استعاد كلاهما بعض الحركات الإرادية، مثل تحريك أصابع القدم، ورفع الجزء الأسفل من الساق. كما حقق المريضان أيضًا تحسُّنًا في وظائف المثانة والأمعاء. ساعد التحفيز كذلك في ضبط ضغط الدم لدى واحدة منهما واستعادة قدرتها على الشعور بالنشوة الجنسية خلال ممارسة الجنس. ويخطط دارو لزراعة عشرة أجهزة في عشرة أشخاص آخرين، وتدشين الدراسات التالية بهدف إيصال العلاج إلى المرضى بأسرع وقت ممكن. ويقول إن تحفيز منطقة فوق الجافية ليس ترياقًا شافيًا لكل شيء، لكن هذا لا يهم. ويضيف: “ليس جزءًا من ممارستي الإيمان اليقيني بالشفاء التام. إنني مَعني بجعل حياة الناس أفضل على نحوٍ متزايد”.

التركيز المستقبلي

أدى ارتفاع الطلب على علاجات جديدة إلى ميلاد صناعة السياحة الطبية الخاصة بإصابات الحبل الشوكي. ففي بانكوك، يقدم مستشفى المركز الطبي العالمي تحفيزًا لمنطقة فوق الجافية –باستخدام الخلايا الجذعية أو بدونها– لأي شخص يفي بالمعايير ويستطيع دفع السعر الذي يزيد عن 70 ألف دولار أمريكي. وحتى شهر يوليو الماضي، أجرى المستشفى –الذي يتعاون مع شركة تدعى يونيك أكسيس ميديكال UAM– 70 عملية زرع، وفق قول هينينج كاولا، رئيس خدمات المرضى. وقد كتب كاولا في منشور عام على موقع لينكدإن يقول: “بينما لا يزال زملاء آخرون في مجال طب الأعصاب يهدرون وقتهم وجهدهم في إجراء الدراسات، والتجارب السريرية، والتعامل مع بيروقراطية إدارة الغذاء والدواء في محاولة منهم للتوصل إلى علاج لشلل النصف السفلي والشلل الرباعي، تقوم شركة يونيك أكسيس ميديكال بعلاج المرضى بنجاح”.

يحذر كورتين الأشخاص ذوي إصابات الحبل الشوكي من السعي للحصول على تحفيز منطقة فوق الجافية خارج التجارب السريرية. فقد رأى أجهزة تحفيز تُزرَع في أماكن خطأ، ويوضح أنه حتى أبرز العلماء غير متفقين بعدُ على كيفية ضبط عملية التحفيز وإجراء التدريب. ويقول: “الوقت مبكر للغاية”. ويخشى تانسي أن التعجُّل في العلاج قد يوجه تحفيز منطقة فوق الجافية في الطريق نفسها التي اتخذتها الخلايا الجذعية من قبل؛ إذ قد تظهر عيادات تقدم علاجات غير مدعومة ربما لا تنجح، ومن الممكن أن تُهمَل الأبحاث الجادة في أثناء ذلك.

بالنسبة للعلماء، لا يزال التركيز منصبًّا على إجراء الأبحاث، ويبدو أن كل مجموعة لديها أفكار خاصة بها حول كيفية تطوير هذا العلم.

يواصل فريق هاركيما قبول المشاركين في الدراسة التي تمولها مؤسسة ريف. وقد بدأت هاركيما أيضًا مشروعًا يدرس تأثير التحفيز والتدريب على وظائف المثانة والأمعاء.

وفي الوقت ذاته، شارك كورتين في تأسيس شركة تسمى جي تي إكس ميديكال في أيندهوفن بهولندا، من أجل تطوير جهاز تحفيز مصنوع خصوصًا للأشخاص الذين يعانون من إصابات الحبل الشوكي. ويأمل كورتين أن تكون التكنولوجيا الجديدة جاهزةً في غضون عامين. كما يطلق فريقه أيضًا دراسة لاختبار تحفيز منطقة فوق الجافية لدى 20 فردًا مضى على إصابتهم شهر أو أقل. وبالنسبة لهؤلاء الأشخاص، يقول كورتين إن “ثمة إمكانية حقيقية لرؤية تعافٍ عصبي”، وربما نرى حتى نموًّا محتملًا لألياف عصبية جديدة.

كما دشن فريق مايو كلينيك دراسةً تقارن التحفيز عن طريق الجلد بتحفيز منطقة فوق الجافية. ولا يزال دارو يقبل المشاركين من أجل دراسته. يقول دارو: “إذا نجح الأمر، ولو نجاحًا جزئيًّا، فسوف تقع علينا مسؤولية الاستكشاف العلمي والصارم له، وكذلك تقديمه في الوقت المناسب”.

بين الجلسات العلاجية، يحصل روب سامرز على الدعم من بير، كلب الخدمة المدرب على مساعدته. Credit: Luke Sharrett for Nature

وفي تلك الأثناء، يركز سامرز على وضع إحدى قدميه أمام القدم الأخرى. فبعد انتهاء الدراسة المبدئية، غادر سامرز كنتاكي وتنقل في أنحاء الولايات المتحدة. وبعد ذلك، في عام 2018، عاد إلى لويفيل كي يشارك في دراسة أخرى تركز على الوقوف، والمشي، والحركة الإرادية. لقد جرت زراعة جهاز التحفيز الثاني له حاليًّا، وكان الاختلاف عميقًا؛ فالنبضات “أوضح وأدق”، حسبما يقول سامرز، وكل يوم يشعر بأنه يحقق هدفًا جديدًا. ففي صبيحة أحد أيام الثلاثاء في شهر أبريل، قام بتشغيل جهاز التحفيز، واستعان بطاقم حبال الدعم المتدلي من إطار معدني على عجلات صغيرة، وبدأ يخطو بضع خطوات على امتداد الردهة الطويلة بالطابق العشرين لمعهد فرايزر للتأهيل في لويفيل.

ترتدي صديقته الحميمة، جولي جراورت، تيشيرتًا مكتوبًا عليه «فريق ريف» وتسير وراءه وهي تدفع المقعد المتحرك، بينما تنبعث نغمات ديزني من هاتفها. تقول له: “أحسنت يا عزيزي”. ويتبعهما كلب الخدمة الذي لا يزال في مرحلة التدريب، وهو كلب من نوع جولدن ريتريفر يدعى بير، في أرجاء المكان.

تبدو بعض الخطوات سهلة. يميل حذاء سامرز الرمادي ماركة «نايك» بثقة إلى الأمام ويهبط كما ينبغي. غير أن التدريب يستهلك جهدًا كبيرًا؛ فساقاه تهتزان، وأحيانًا تهبط قدمه اليسرى بزاوية غير صحيحة. وللحظة، تلتوي الساق اليسرى لسامرز ويدعمه طاقم الحبال. يقول سامرز: “أشعر بالإنهاك والإحباط”.

تمثل نسخة سامرز من القدرة على المشي تقدمًا مذهلًا، وهو يواصل التحسُّن باستمرار. غير أن التجربة لا تزال جارية، ولا يستطيع –بعدُ- التمشية في الحديقة أو حتى المشي بحُرية في شقته.

يرى سامرز، المتفائل دومًا، أن التحفيز الكهربائي يمثل علاجًا. فبالنسبة له، كانت أعظم الفوائد هي أقلها وضوحًا، التحسُّن في ضغط الدم، والتحكُّم في حركة الأمعاء والمثانة، والوظائف الجنسية، وتنظيم درجة الحرارة. وهناك إحساسات أكثر بساطة، مثل التقدير العميق لزوج جواربه الجديد. وعن هذا يقول: “يمكنني أن أشعر بنعومته. من العجيب أنني أجد المتعة في تلك الأشياء البسيطة”.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى