المجلةبنك المعلومات

ميكر وهاكر .. ثقافة التصنيع الذاتي ومساحاته

 ميكر وهاكر .. ثقافة التصنيع الذاتي ومساحاته

بقلم : د. مجدي سعيد

 

في مقالها المنشور في مجلة ييس بتاريخ 27 يناير 2015 والتي تناولت فيه رئيسة التحرير سارة فان جيلدر الاستراتيجيات الست التي يستخدمها الناس في الولايات المتحدة للخروج من مآزق الأزمة الاقتصادية، أشرت إلى انتشار ما يسمة بثقافة الصانع Maker Culture واصنعها بنفسك Do It Yourself (DIY)  والمشاركة بين الشباب كثالثة تلك الاستراتيجيات. وقد بدت الاستراتيجية غامضة على من ليس لديه خلفية عن الأمر، لذا فقد لزم إزالة الغموض والتعريف بالأمر.

ميكر وهاكر .. ثقافة التصنيع الذاتي ومساحاته

اختصارا وإيضاحا نستطيع أن نسمي تلك الثقافة أو الحركة على اختلاف التسميات “ثقافة أو حركة التصنيع الذاتي”، وهي تعود بجذورها في الثقافة الغربية بشكل خاص غلى عدة روافد، منها رافد: اصنعها بنفسك Do it yourself (DIY)، والتي انتشرت سريعا منذ سبعينات القرن العشرين مستخدمة كل وسائل المعرفة الجماهيرية المتاحة من كتب ومجلات وأشرطة فيديو إلى برامح ومحطات فضائية ثم الإنترنت، ومنها ثقافة/ حركة البرمجيات الحرة مفتوحة المصدر التي والتي تعود جذورها أيضا إلى السبعينات، لكنها اكتسبت زخما منذ النصف الأول من التسعينات، ومن ثم كان طبيعيا أن تظهر حركة التصنيع الذاتي Maker Movement لهذه الجذور الثقافية وهذه الخبرات العملية، لتنتقل من البرمجيات إلى أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات عامة ثم الروبوت والطابعات ثلاثية الأبعاد. وإذا كانت ثقافة اصنعها بنفسك تعتمد وتعمق الفردانية individualism فإن البرمجيات الحرة اعتمدت وعمقت ثقافة تشارك المعرفة وتشابك العاملين فيها، وهو ما وجد له امتدادا أكثر في ثقافة وحركة التصنيع الذاتي، التي تعتمد بالأساس على التعلم الشبكي، التشاركي، غير الرسمي، الذي يقوده الأنداد، والذي يرتكز على الدافعية الذاتية التي تنبع من المتعة والشغف بالتكنولوجيا واستكشافها، والتجريب الابتكاري فيها، وهي ثقافة وحركة كأنها تعيد الاعتبار وتحيي من جديد ثقافة الحرفة اليدوية والتي كادت أن تندثر مع نمو التصنيع الضخم والكبير والمعتمد على الماكينات بديلا عن الأيدي العاملة.

هذه الروح التشاركية، مفتوحة المصدر، المسوقة بالشغف للتصنيع الذاتي، كان لابد وأن تعبر عن نفسها من خلال إيجاد مساحات عمل مشتركة أخذت أسماء كثيرة (hacklab, Makerspace, or hackspace) لكن الإسم الجامع لصنفها هو ما يمكن أن نسميه مساحات الشغوفين Hackerspaces، وهي أماكن عمل يدرها مجتمع من الشغوفين أصحاب الاهتمامات المشتركة، عادة في مجال الكمبيوتر، والماكينات، والتكنولوجيا، والعلوم، والفنون الرقمية، أو الإلكترونية، والتي يمكنهم فيها أن يلتقوا، ويتعارفوا ويتعاونوا. ويشبهها في الوظيفة وإن اختلفت الأسماء معامل التصنيع Fab Lab أو أكواخ الرجال Men’s Sheds ويشبهها أيضا الدكاكين التقنية TechShop والتي تختلف عن كل ما سبق في كونها تجارية. وهي جميعا أماكن للتعلم من الأنداد Peer Learning وللتبادل المعرفي في شكل ورش عمل وعروض ومحاضرات، كما أنها أيضا أماكن لتشارك الموارد المتمثلة في الأدوات والمعدات والتي يستطيع أعضاؤها منفردين أو في مجموعات العمل على مشاريع مشتركة، والأصل في تلك الأماكن أن المعارف متاحة ومفتوحة المصدر للجميع. وإذا كانت الجذور التاريخية لتلك الأماكن تعود إلى ألمانيا التسعينات من خلال Chaos Computer Club و C-Base، إلا أن بداية الانتشار الحقيقي لها بدأ مع تأسيس باول بوم Paul Bohm لـ”ميتالاب Metalab” في فيينا عام 2006، والذي بدأ مع آخرين تأسيس الموقع الجامع والموثق والمتابع لحركة مساحات الشغوفين في العالم hackerspaces.org عام 2007، وفي عام 2012 وصل عدد تلك المساحات في العالم حوالي 1100 مساحة عمل مشتركة.

في ذلك العام أيضا (2012) دخلت مصر على الخط فتأسست أليكس هاكرسبيس، وكايرو هاكر سبيس، وفاب لاب مصر، والتي تقوم هذا العام بتنظيم أول معرض للتصنيع الذاتي في مصر Cairo Mini Maker Faire، والذي ينظم يوم 7 مارس بالجامعة الأمريكية بالتحرير، وذلك بالتعاون مع مجلة ميك Make Magazine، والتي تنظم معارض لمنتجات ورش التصنيع الذاتي منذ عام 2006 في الولايات المتحدة، ومنذ عام 2011 انطلقت خارجها إلى المملكة المتحدة وأسبانيا وألمانيا ولوكسمبورج واليابان والنرويج وإيطاليا، ومصر وكينيا وغانا عام 2011 في إطار ميكر فير أفريكا.

تبقى ملاحظات:

  • من الأمور الإيجابية ألا تستغرق هذه الثقافات الجديدة وقتا طويلا بين بلد المنشأ وبين مصر والعالم العربي.
  • ولأن تلك الثقافات دخلت مصر دون قاعدتها العريضة المتمثلة في ثقافة “اصنعها بنفسك”، ولأنها تنشأ في مصر وتنتشر بين طبقات من الشباب المتعلم والمطلع على مجريات التطور والتقدم في هذه المجالات، منفصلا عن طبقات ممن يمتلكون المهارة والخبرة اليدوية من حملة الدبلومات الفنية الصناعية ومن غيرهم من الحرفيين المهرة، فإن من واجب طلائع الحركة في مصر ألا يبخلوا بنقل هذه الروح وتلك الثقافة في اتجاهين:
  • أولا سد فجوة “اصنعها بنفسك” من خلال مبادرات لترجمة ونشر أدلة لها من خلال وسائل النشر المتاحة.
  • ثانيا: جذب الطبقات المحرومة من تلك المعارف والثقافات الحديثة بما يصل طرفي الحلقتين، حلقة الشباب المتعلم تعليما عاليا، وحلقة الحرفيين وحملة الدبلومات الصناعية المهرة، مما يمهد لتوسيع قاعدة نشر الثقافة والحركة، ومما يصنع روحا جديدة للابتكار وتطوير المنتجات والإسهام بها على المستوى المحلص والعالمي.

للمزيد طالع:

موقع هاكرسبيسز

مجلة ميك

معارض ميكر فير

مساحات للعمل والابتكار والريادة

سبل الخروج من مآزق الأزمة الاقتصادية

صفحة الدكتور مجدي سعيد على الفيسبوك

ميكر وهاكر .. ثقافة التصنيع الذاتي ومساحاته

ميكر وهاكر .. ثقافة التصنيع الذاتي ومساحاته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى